خلافاً لكثير من الانطباعات السياسية التي سادت أخيراً في لبنان عقب الانسداد الذي بلغتْه الأزمة الحكومية الناشئة عن تعطيل فريق العماد ميشال عون وداعميه جلسات مجلس الوزراء، لا تتوقّع الجهات الوسطية في الحكومة التي تقف ضدّ تمادي هذا التعطيل سيناريوات أشدّ سوءاً من شأنها تهديد مصير الحكومة جدياً في نهاية المطاف، ولو انها لا تقلّل من خطورة تداعيات هذا التعطيل على كل المستويات الداخلية والخارجية. ولفتت مصادر وثيقة الصلة بهذه الجهات الوسطية التي تشمل أساساً رئيسيْ مجلس الوزراء تمام سلام ومجلس النواب نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الى ان استمهال الرئيس سلام في الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، بدأ يتحوّل تدريجياً الى مسعى واضح لتمديد مهلة تعليق جلسات مجلس الوزراء طوال شهر رمضان على الأرجح، بما يساعد هذه القوى الوسيطة في السعي الى ايجاد حلّ لمشكلة التعيينات الأمنية والعسكرية التي يتشدد عون بأولوية بتّها ورفْض التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، لمصلحة تعيين صهره العميد شامل روكز قبل نحو 3 اشهر من انتهاء خدمة قهوجي. وتبعاً لذلك أشارت هذه الأوساط عبر «الراي» الى ان هذا الاتجاه سيؤدي حكماً الى تبريد التوتر والتصعيد ما دام تطويل فترة تعليق الجلسات شكّل رسالة ايجابية من جانب رئيس الحكومة، بما سيرتّب تداعيات سلبية للغاية على الفريق المعطّل، اذا مضى في خطوات تصعيدية أوسع. ويبدو ان ثمة سعياً لثني العماد عون عن اتجاهٍ واضح لديه لإطلاق تحركات شعبية لأنصاره تحت شعار الاحتجاج على تهميش المواقع المسيحية في الدولة، وهي خطوات بدأ التحضير لها ببرْمجة زيارات أسبوعية لوفود من أنصار عون لمقره في الرابية، حيث يدأب زعيم «التيار الحر» على دعوة الأنصار الى الاستعداد لتلبية طلب تحركهم في الشارع. وقالت الأوساط نفسها انه يبدو ان حلفاء عون انفسهم ليسوا متحمسين لفكرة إطلاق تحركات شعبية في هذه الظروف الحساسة أمنياً واجتماعياً، ولو ان هؤلاء يدعمون عون سياسياً الى آخر الخط، ذلك ان ثمة تخوفاً لا يتمّ التعبير عنه بعد من ان تؤدي اتجاهات تصعيدية على الأرض الى خروج الوضع عن الحسابات الدقيقة التي تمليها عملية الحفاظ على الاستقرار بحدوده الدنيا، وخصوصاً ان شهر رمضان قد يحمل تطورات ومفاجآت أمنية لا تخفى عن الأجهزة الامنية الرسمية، ولا عن القوى السياسية وفي مقدّمها «حزب الله» تحديداً كونه المعني الاساسي بهذا البُعد. وتشير الاوساط الى ان الايام القليلة المقبلة ستفضي على الأرجح الى واقع «تطبيعي» في الحد الأدنى مع فترة الانتظار بما يكفل اندفاع المساعي السياسية بهدوء نحو ايجاد مخرج او تسوية لملف التعيينات من جهة والامتناع عن مزيد من التحديات المتبادلة من جهة أخرى. ومع ان اي ملمح واضح لم يبرز بعد ويصعب اتضاحه في وقت سريع لهذه الأزمة، فان الأوساط عيْنها تشير الى ان عامل تمرير بعض الأسابيع سيساعد في دفع المساعي الوسطية، لان ملف التعيينات سيطرح نفسه بشكل طبيعي اعتباراً من يوليو المقبل لارتباطه بمواقع قيادية اساسية اخرى، بالاضافة الى موقع قيادة الجيش. وقد بدا لافتاً في هذا السياق تسريب معلومات امس عبر صحف لبنانية عدة عن فتح ملف التنافس على موقع مدير المخابرات في الجيش اللبناني الذي يستحقّ بدوره في اغسطس المقبل مع احالة المدير الحالي للمخابرات العمدي ادمون فاضل على التقاعد، وكذلك بالتزامن مع ضرورة بتّ وضع رئيس الأركان في الجيش لإحالته على التقاعد. وتقول الاوساط ان هذا التطور يمكن ان يجعل إثارة الملف في مجلس الوزراء تأتي في شكل طبيعي ولكن يرتّب الأمر مجدداً السؤال عما اذا كان ممكناً التوافق على معالجة الأمر توافقياً ام لا، سواء بتعيين قادة جدد ام بالتمديد الذي يرفضه عون رفضاً مطلقاً. واشارت هذه الاوساط الى ان ثمة انطباعاً إيجابياً لا يزال يشكل «حزام أمان» ومفاده ان داعمي عون لا يريدون الذهاب الى نقطة يصعب الرجوع عنها وتؤثر بقوة على مصير الحكومة، وهو الامر الذي يجري العمل الحثيث على توظيفه طوال فترة السماح التي بات متعارفاً عليها بشكل شبه مثبت خلال شهر رمضان.
مشاركة :