شكّلت الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء في لبنان أمس اختباراً مهماً بل مفصلياً لثبات الخط الأحمر الذي يمنع انهيار حكومة الرئيس تمام سلام، ولكن من دون ان يعني ذلك التقليل من خطورة المأزق السياسي الذي بات يشدّ خناقه أكثر فأكثر على الواقع الحكومي وكذلك على مجمل المشهد الداخلي. ذلك ان دلالات هذه الجلسة اتّخذت بُعدها البارز مع انعقادها رغم ان غالبية المؤشرات التي سبقتْها كانت لا تستبعد تأجيلها بفعل انضمام «حزب الله» الى حليفه «التيار الوطني الحر» (يقوده العماد ميشال عون) في مقاطعتها تبعاً للسياسة التصعيدية التي عاد التيار العوني الى اتباعها من خلال طرْحه شعار الاحتجاج على خرق «الميثاقية» والذي كان ادّى يوم الاثنين الى تعليق جلسات الحوار الوطني الموسع وهدّد جلسات الحكومة. وظلّت الاتصالات والمشاورات جارية الى ما قبل موعد انعقاد الجلسة بدقائق عبر سعي بعض الأطراف والوزراء الى تأجيلها، ولكن رئيس الحكومة آثر التريّث وانتظار مَن يحضر من الوزراء قبل اتخاذ اي موقف. وبدا واضحاً ان توافر النصاب الدستوري للجلسة الذي يفرض حضور ثلثيْ الوزراء كان العلامة الفارقة الكبيرة التي أكدت تكراراً ان ثمة مظلة داخلية وخارجية تحول دون تسديد اي ضربة قاضية لها وسط «الستاتيكو» الحالي. اذ حضر الجلسة 16 وزيراً يشكلون أكثرية الثلثين تماماً، فيما تغيّب 8 وزراء من «التيار الحر» و«حزب الطاشناق» و«حزب الله» ووزير الثقافة ممثل تيار «المردة» روني عريجي الذي شكّل غيابه مفاجأة اضافية عُزيت الى مماشاة «المردة» بزعامة رئيسه النائب سليمان فرنجية لموقف «حزب الله» تحديداً وليس تضامنا مع «التيار الحر» الذي كان رئيسه الوزير جبران باسيل اصطدم في جلسة الحوار الأخيرة بانتقادات لاذعة وجّهها فرنجية - منافِس العماد عون في الانتخابات لرئاسية - لمجمل أداء التيار العوني ولاسيما في إثارته موضوع الميثاقية. ولكن عريجي برر عدم حضوره للجلسة بأنه أفساح للمجال امام مزيد من المشاورات لإيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة. ورُصدت في سياق المواقف الوزارية البارزة ايضاً حملة عنيفة شنها الوزير العضو في «كتلة المستقبل» النيابية نبيل دو فريج على الوزراء المقاطعين للجلسة اذ اعتبر ان «كل مَن لا يحضر هو غير لبناني وكل مَن لا يأتي لتأمين نصاب الجلسة يكون نصّابا». كما ان وزير الاتصالات بطرس حرب لوّح بأن هذا الأسلوب من المقاطعة «يدفعنا الى إعادة النظر في استمرارنا في السلطة». غير ان منحى الجلسة التي لم تدم اكثر من ساعة ونصف الساعة كشف بلوغ الأزمة حافة شديدة الدقة بدت معها الحكومة تسير على حبل واهٍ فوق القعر المفتوح. ذلك ان مصادر وزارية أكدت لـ «الراي» ان رئيس الحكومة تمام سلام بدا في الجلسة على مشارف اليأس الحقيقي من ممارسات التعطيل وترجم ذلك بالتهديد بوضوح باستقالته لو لم تُستكمل الجلسة باعتبارها جلسة ميثاقية مستوفية الشروط الدستورية. وجاء موقفه هذا رداً على محاولة وزير السياحة ميشال فرعون ان يتخذ موقفاً كان من شأنه ان يُفقِد الجلسة نصابها من خلال اعلانه خلالها انه حضر فقط للإبلاغ بأنه مع تأجيل الجلسة. حينذاك تهيّب فرعون الموقف واستمرّ في الحضور ولكن المناقشات حوّلت الجلسة الى تشاور ولم يُطرح فيها أيٌّ من بنود جدول الأعما وذلك كمخرج لتدارُك الأسوأ. وقالت المصادر نفسها ان ما بعد الجلسة يبدو على كثير من الغموض وسط أجواء ازدادت تلبداً. فصحيح ان الرئيس سلام أثبت موقفا شجاعاً ومتشبثاً بالدفاع عن صلاحياته وعن الحكومة كخشبة أخيرة في الهيكل الشرعي والمؤسساتي اللبناني، لكن تصاعُد الضغوط على الحكومة من الفريق العوني المستقوي بحلفائه ولو كان هؤلاء غير مقتنعين بالتصعيد الحاصل، بات يرسم أفقاً خطراً للغاية يصعب ان تستمرّ فيه الحكومة في انتظامٍ ما لم يحصل خرق ما للأزمة في الاسابيع المقبلة. وفيما لفت «ان سلام لم يدعُ لجلسة جديدة وسط توقعات بألا يصار الى ذلك قبل عودته من نيويورك حيث سيشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، نقل وزير الاعلام رمزي جريج عن رئيس الحكومة بعد انتهاء الجلسة انه يعتبرها ميثاقية ودستورية وانه سيفسح المجال أمام مزيد من التشاور لإعطاء فرص جديدة لايجاد الحلول، ولكنه حذّر من ان عدم انتاجية الحكومة يطرح سؤالاً مشروعاً حول الجدوى من استمرارها وبقائها، آملاً أن يؤدي التشاور الى إعطاء البلاد فرصة وإبعادها عن الانهيار والكأس المرة»، وهو الأمر الذي اعتُبر بمثابة تحذير جدي من ان الوضع بلغ حدوداً متوغلة في بتّ مصير الحكومة. وكانت المعلومات كشفت ان محاولات جرت مع سلام لتأجيل جلسة يوم امس الا ان رئيس الحكومة سأل عن الضمانات بأن يحضر وزراء «التيار الحر» و «الطاشناق» الجلسة التي تليها إلا انه لم يحصل على ايّ منها. وافادت تقارير ان اقتراحاً حمله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى رئيس الحكومة كمدخل لتراجُع التيار عن عدم حضور جلسات مجلس الوزراء وتمّ تداوله في جلسة امس وهو العودة عن التمديد الذي حصل للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير وذلك مقابل القبول بالتمديد المرتقب لقائد الجيش العماد جان قهوجي قبل نهاية الشهر الجاري، الا ان سلام رفض. علماً ان مصادر عون اكدت ان التيار غير معني بهذا الطرح وان موقفه المبدئي والثابث هو برفض كل تمديد. واذ أخذت سلوك «التيار الحر» يثير مواقف تحذّر من «ان الجريمة التي يرتكبها قد تعيدنا الى الحرب الأهلية» كما قال النائب عمار حوري (من كتلة الرئيس سعد الحريري)، كان اللافت اللقاء الذي عُقد ليل الاربعاء بين قيادتيْ «حزب الله» و «التقدمي الاشتراكي» (حزب النائب وليد جنبلاط) لتأكيد متانة العلاقة الثنائية بين الطرفين وأهمية استمرار التواصل والتعاون القائم في مختلف الأمور والقضايا«. وتم خلال اللقاء التداول في الوضع الراهن، وأكد الطرفان «الضرورة القصوى لبذل أقصى الجهود والمساعي وتكثيف الاتصالات في هذه المرحلة الدقيقة لتفادي المزيد من الأزمات التي تتراكم وتطول مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والمعيشية». على صعيد آخر، لم تعد التهديدات الأمنية التي كثر الحديث عنها في الأسابيع الثلاثة الماضية والتي تضع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في دائرة الخطر والاغتيال مجرّد تقارير إعلامية، بعدما أكدها وزير الصحة وائل ابو فاعور (من فريق جنبلاط) واصفاً اياها بأنها جدية، ومتحدّثاً عن موقوفين وعن ملفٍ بات في عهدة المحكمة العسكرية. ومعلوم ان أولى هذه التهديدات تم تداوُلها من ضمن تقرير لإحدى الصحف اللبنانية القريبة من «حزب الله» أشار الى معطيات أمنية عن أن تنظيم «داعش» أصدر أمراً إلى مجموعات تعمل في لبنان بوجوب تركيز العمل على استهداف مناطق تقطنها غالبية مسيحية، إضافة إلى مناطق يسكنها أبناء الطائفة الدرزية، واستهداف النواب والوزراء والسياسيين الدروز، وعلى رأسهم النائب جنبلاط. وبعدها أعطى جنبلاط بُعداً سياسياً بارزاً لهذه المعلومات اذ لم يستعبد ان تكون «رسالة تهديد من قريب او بعيد»، ليتمّ تأويل موقفه على انه اشارة ضمنية الى وقوف «حزب الله» وراء هذا «التهديد» من خلال صحيفة محسوبة عليه ولاعتبارات ذات صلة بالوضع اللبناني وآفاق أزمته السياسية. وفيما كان اجتماع بين قياديين من «حزب الله» و«التقدمي الاشتراكي» (حزب جنبلاط) ينعقد مساء الاربعاء، كان الوزير ابو فاعور يطّل تلفزيونياً ليؤكد تعليقاً على التهديدات الامنية لجنبلاط ان «حزب الله لم يهددنا وما ذُكر في بعض الصحف وبعض وسائل الإعلام كُتب بأقلام اصحابها وبعقول اصحابها، ونحن لم ننسب التهديد الى حزب الله». وأضاف: «التهديدات جدية ونحن نتعامل معها بجدية».
مشاركة :