شريف عرفة يكتب: كن فيلسوف نفسك

  • 4/17/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

استحضر العزل المنزلي مخاوفنا الوجودية وجعلها حاضرة نلاقيها وجهاً لوجه.. وأصبح الواحد منا أكثر استعداداً لإعادة تقييم حياته وترتيب أولوياته، وطرح أسئلة وجودية تتعلق بمعنى الحياة ودورنا فيها، ومدى التناغم بين ما نجده مهماً، ذا قيمة، وما نفني حياتنا في فعله.. فقد سبب العزل المنزلي اختلالاً في المعنى لكثير من الناس.. فما ظننا أنه ثابت لا يتغير، انقلب رأساً على عقب، وما ظننا أنه دائم يعتمد عليه، تغير واهتز وأصبح لا يمكن التعويل عليه.. هل راتبك ثابت حقاً؟ هل مشروعك ناجح حقاً؟ هل تضمن مستقبل أولادك حقاً؟ هل ما تعتقد أنه مهم، مهم حقاً؟ ليس التفكير في معنى الحياة رفاهية، بل ركيزة أساسية لاستقرارنا النفسي وسعادتنا.. معنى الحياة هو إدراك الإنسان أن لحياته غاية وهدفاً يجعله يستيقظ لأجله كل صباح، إحساسه بأنه على الطريق الصحيح وأنه مرتبط بشيء أكبر منه ومستعد لإفناء ذاته من أجل غاية ما.. كل هذه أشياء ترسخ شعور الإنسان بوجود قيمة لحياته. وتختلف مصادر المعنى من شخص لآخر.. فهناك من يستمد معنى حياته من أطفاله، لأجلهم يشقى ويخطط للمستقبل ويتطلع إليه.. وهناك من يستمد معنى حياته من قيمة أخلاقية عليا، يحب الخير ويريد مساعدة الناس وينخرط في نشاطات خيرية وإنسانية.. ومنهم من يستمد قيمته من حياته الوظيفية... أو يستمد المعنى من القيم الروحية أو التعاليم الدينية وشعوره بالتسامي الوجداني..إلخ كلنا نحتاج من وقت لآخر إلى وقفة تمكننا من بلورة هذا المعنى وإعادة صياغته وإدراكه بشكل واعٍ...وهناك أفكار مفيدة لذلك.. منها: اكتب مذكراتك.. ليست الكتابة مجرد تعبير عن المعاني الكامنة في داخلنا، فقط، بل إنها تخلق أيضاً هذه المعاني.. حين تكتب -أو تحكي- قصة حياتك ستجد أنها تعيد صياغتها وتكتشف فجوات لم تلاحظها وتستدعي أحداثاً وتعلق عليها بشكل لم يكن ليتبادر في ذهنك من قبل.. فقط أصبح الوقت مناسباً لكتابة مذكراتك أكثر من أي وقت مضى! ابحث في الخارج لا في الداخل.. لا تبحث عن معنى حياتك من رغبة أنانية تريد إشباعها في داخلك، بل من شيء عظيم تعتبره مهماً وذا قيمة عليا.. رؤية عملك الفني في أعلى درجات إتقانه، أو مساعدة الفقراء ورؤية الابتسامة على شفاهم..الإعلاء من قيمة العِلم أو خدمة وطنك أو مساعدة أسرتك.. أياً كانت عقليتك ومهما كان دورك صغيراً، فإنه سيجعلك تعلو في نظر نفسك ودون قصد، وبالطبع سيشبعك نفسياً أيضاً. تطور..أنت دائم النمو والتغير والتعلم.. أنت لست صخرة صماء جامدة.. حياتك متعددة الفصول ويمكن صياغة حياتك القادمة بطريقة أكثر نضجاً مما مضى.. اقرأ كثيراً وطالع آراء متنوعة تعكس نظرات متعددة للحياة.. فقد تجد طريقك الذي بحثت عنه طويلاً ولم تجده لانشغالك في تفاصيل الحياة وضجيجها.. قد يكون الحجر المنزلي مزعجاً، إلا أنه كذلك فرصة لن تتكرر لإعادة صياغة حياتنا وأولوياتنا فيها.. فهل سنخرج منه وقد حققنا ذلك؟

مشاركة :