تُبرز الأزمات أجمل ما فينا من صفات، وفي هذه الأيام الاستثنائية يتناغم الشعب البحريني العريق مع الفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا، في عزف أوركسترالي جميل ضد وباء غير جميل. يمتد التآلف والتعاون من القيادة العليا في قمة الهرم إلى القاعدة العريضة في المجتمع: البحرين مجتمعة تنشد إنشاد المقاومة والدفاع عن النفس، أسوة بباقي بلدان العالم، إلا أنها تتميز وتتفوق على العالم. التمييز والريادة تسعى إليها البحرين في كل المجالات، وهذا طبعها ودأبها. وفي هذه الأيام الصعبة ترتاد بلادنا العزيزة آفاقًا رحبة بين الأمم، وتقاتل ببسالة عدوًا خفيًا لا يخلو من شراسة وبطش وعدوانية، متخفيًا عن الأنظار طول الوقت، وطول الوقت، يفتك بهدوء ودون توقف أو رحمة. مثل هذا العدو البغيض وبنفس القوة وأكثر تُدافع البحرين ببسالة عن نفسها وعن أبنائها، وتحميهم من الضرر، وتُشَذب أظافر الوحش المتخفي. أصبحت البحرين كلها كتلة متراصّة من الحديد والفولاذ تسعى إلى الوقاية والدفاع عن النفس، واستنهاض الهمم، وتزهو بالحب والتآلف بعد أن صهرتها المحنة. يبهرنا الفريق الوطني للتصدي للكورونا بمهارته العالية في إدارة وقيادة دفة هذه الحملة الواسعة باقتدار عبر تخطيط نوعي، متميز متواصل ودقيق لمواجهة العدو الغادر، ومن خلال تنظيم وتطوير أساليب المواجهة استنادًا على مرتكزات وحيثيات علمية. بالقول والفعل فما يقوم به هذا الفريق الوطني الباسل هو فعلٌ مبهر وعملٌ عظيم، ما دفع بعض البلدان لطلب الاستفادة من خبرته في محاصرة الوباء والحد من انتشاره. لقد استمعت إلى المؤتمر الصحفي لفريقنا الوطني للتصدي للكورونا، من تلفزيون البحرين وأنا كلي دهشة وإعجاب بما يقوم به هذا الفريق، بكفاءة عالية. ولا شك أن كل من تابع هذا المؤتمر حمل هذا الانطباع، وشعر بالثقة والأمل والأمان. ولا ريب، أننا بهذه العناصر القيادية الشابة المسلحة بالعلم في أمان وصحة وسلامة، وسنصل إلى بر الأمان في نهاية هذه الرحلة العاصفة غانمين مظفّرين بإذن الله. وبجانب هذا الفريق القدير، هناك فرقٌ شابة أخرى كثيرة تعمل بهمة وتظهر في المشهد لتزيدنا ثقة بالفوز والنجاح، وتمدنا بجرعات كبيرة من التفاؤل. يتجلى هذا المظهر في الكوادر الطبية الشجاعة التي تجوب المدن والقرى للفحص والمتابعة والتنقيب عن الوباء، بجانب الفرق التي تقوم بالمسح الشامل في كل البلاد، من خلال العينات العشوائية، وفرقٌ أخرى ثالثة ورابعة تكمل بعضها بعضًا في مشهد بانورامي جميل يَقطر حبًا لهذه البلاد وأهلها. البحرين عن بكرة أبيها في الميدان تقوم بمجهود جماعي مشترك ومعجز. بالتوازي تسجل البحرين حضورًا دوليًا متسارعًا مرموقًا وملفتًا، وتتصدر المشهد العالمي في جودة المقاومة وتميزها واقتدارها، من خلال جهود حثيثة لاجتثاث الوباء، بجانب الجهود والعمل المتواصل للفرق الطبية في الخطوط الأمامية، التي تتحلى بالشجاعة في المواقع الأكثر وهي تتقابل وجهًا لوجه مع الوباء. كل هذه الحقائق والأفعال بثت في الناس الثقة التامة في دحر الفيروس. وخلال فترة وجيزة لا تزيد عن بضعة أسابيع نالت البحرين سمعة وصيتًا بعيدًا بين كل الأمم والأمصار، فأصبحت قدوة تقتدى ومثلًا يُضرب، وسلوكًا يُتّبع للقضاء على هذه المحنة. ما حققته البحرين من صيت هذه الأيام في زمن قصير جدًا، لم يحققه الآخرون في سنوات. تنهض البحرين كلها، وفي كل شبر من أرضها في فزعة واسعة وشاملة، تقودها كوادر شابة؛ أطباء وطبيبات وعاملون وعاملات في المستشفيات، وأماكن الحجر، وبمساعدة كبيرة من قوات الجيش والشرطة، مع آلاف المتطوعين من الشباب والشابات. في كل مدينة وقرية هناك بشر يقاتلون بجلد وصبر وإرادة وحب. وسينهزم العدو بلا شك أمام هذه الإرادة، فعندما تتوفر الإرادة يتوفر النجاح. وفي الشدائد تتعلم الشعوب دروسًا جديدة تحصنها للمستقبل، كما أن الشدائد تزيدهم ثقة وتزيدهم قوة. نعم، هذه حقيقة، واضحة، جلية، لم نكن متحدين كما نحن عليه الآن، فقد ضاعفت الأزمة ألفتنا كمواطنين وطوائف متحابة متآزرة، تنتمي لشعب واحد، وتعيش في وطن واحد، وتسعى لهدف واحد. العدو الغاشم رفع لواء المواطنة عاليًا ليرفرف في السماء، فتجلّت روح المواطنة في كل مكان، مع كل مسعى، وراء كل جهد، وستخرج البحرين من هذه النائبة منتصرة مظفرة، وسنحتفي ونحتفل بالنصر على هذا الوباء والبلاء بإذن الله.
مشاركة :