في هذا الوقت الصعب ونحن نواجه جائحة كورونا الشرسة، يقبع ثلث سكان الأرض تحت وطأة الحجر المنزلي الوقائي ليصبح التباعد الاجتماعي هو شعار المرحلة، ويكون البديل الوحيد هو التواصل الافتراضي عبر مختلف التطبيقات الإلكترونية، فيقضي الفرد منا ساعات طويلة في ذاك المجتمع الحديث الموازي والذي لا يتطلب الوصول إليه إلا كبسة زر. نتجول بين أروقته الإلكترونية، فنخاطب القاصي والداني ونحن مسترخون تمامًا على أرائكنا بشعر منكوش وبملابسنا المنزلية المريحة، في الحقيقة ليست الأناقة هي الذوقيات الاجتماعية الوحيدة التي يتخلى البعض عنها، فالكثيرون للأسف يتجردون خلف الشاشات من أساسيات بديهية في الأخلاق والتعامل. صغارًا وحين واجهنا المجتمع الواقعي للمرة الأولى كنا بصحبة أمهاتنا وآبائنا وتم توجيهنا وتهذيبنا بدقة، هذا جدك قبّل كفه وجبينه، هذا غريب يكفيك أن ترد عليه السلام، هذا مشبوه حين تراه أركض. بينما دخلنا المجتمع الافتراضي فرادى، دون تأهيل، دون رقابة، والأدهى أننا كنا ضحية أوهام ثلاثة، الأول وهم اللغة، فحين قام مارك زوكربيرج بتسمية كل من نتواصل معه عبر صفحات الفيس بوك بالصديق أسبغ بعدًا عاطفيًا على الغرباء، والثاني وهم الفيزياء حين اختفت المسافات بين البشر، فأصبح الجميع قاب قوسين أو أدنى، والثالث وهم المعرفة حين ظننا أننا نعرف أحدهم لأننا نتذكر إلى أين سافر في الصيف الماضي وماذا تناول على وجبة العشاء. كل تلك الأوهام خلقت حسًا خادعًا بالحميمية فأضعنا بوصلة التواصل السليمة وبرزت صفات سلبية كالتطفل والتنمر وقلة الاحترام، متناسين مثلًا أن فلانًا من الناس أستاذ كبير أفنى عمره في خدمة الناس، أن فلانة هي ذاتها الطبيبة التي تعالجك والأستاذة التي تعلم أطفالك وجارتك التي تفسح لها الطريق حين تعبر. الخلاصة علينا أن نصطحب أخلاقنا معنا في المجتمع الافتراضي وأن نتذكر أن الشخص على الطرف الآخر من الشاشة هو غريب حتى يثبت العكس.
مشاركة :