«الفرق بين مفهومي المخاطر وعدم اليقين هو أن المستقبل غير معروف وهذا هو عدم اليقين، لكن الخطر قابل للقياس».. الخبير الاقتصادي فرانك نايت.حتى الآن ليس لدينا ما يكفي من البيانات لمعرفة ما إذا كانت عمليات الإغلاق الصارمة التي خلفها فيروس كورونا تستحق كل هذا الضرر الاقتصادي، حيث بدت استجابة الحكومة الأمريكية للوباء فوضوية ومتأرجحة بين إصدار قرارات أقل من المطلوب في يوم ثم العودة ووضع قيود أكثر من المطلوب في اليوم التالي.وتركت هذه القرارات الكثير من الأشخاص وهم يتساءلون عما إذا كان هناك أي شخص حريص على خلق شكل من أشكال التوازن في وسط كل هذه المقايضات. وعما إذا كانت الإجراءات المشددة التي اتخذتها الولايات المتحدة تحمل الفوائد اللازمة لتبرير تكاليفها الباهظة؟ والجواب غير المريح عن هذه الأسئلة هو: أننا لا نعرف الإجابة.ويبدو أن فيروس كورونا المستجد كان يمثل مشكلة في إدارة المخاطر في البداية. فهو مرض خطير يهدد حياة جيراننا وأحبائنا. وكانت استجابتنا التي تركزت على زيادة المسافة الاجتماعية وإغلاق الأعمال تهدف إلى الحد من هذا الخطر. لكن المشكلة ليست في المخاطر بقدر ما هي تفشي حالة عدم اليقين في البلاد.وفي عام 1921، بعد وقت قصير من تفشي وباء الإنفلونزا عام 1918، ميز الخبير الاقتصادي فرانك نايت Frank Knight بين مفهومي «المخاطر» و«عدم اليقين». وقال إن المستقبل غير معروف - وهذا هو عدم اليقين-، لكن الخطر قابل للقياس.ويمكن تقدير المخاطر باستخدام البيانات، شريطة حدوث مواقف مماثلة من قبل. من ناحية أخرى، فإن عدم اليقين يتعامل مع نتائج لا يمكننا التنبؤ بها أو لم نرها قادمة.أيضا يمكن إدارة المخاطر، لكن عدم اليقين يجعل من المستحيل تقدير التكاليف والفوائد، وهذا ينطبق على إمكانية معرفة ما إذا كان الحد من انتشار الفيروس يستحق تكلفة الإغلاق الاقتصادي الذي يمكن أن يستمر لعدة أشهر.إن المسار الأكثر مسؤولية الآن هو افتراض الأسوأ واتخاذ موقف يبتعد عن المخاطرة. أيضا، فإن إدارة حالة عدم اليقين تعد أمرا مكلفا للأسواق، حيث تتم ترجمتها إلى احتفاظ المستثمرين بالسيولة النقدية، وعادة ما يكون عدم اليقين مكلفا للمجتمع كذلك، حيث تعني في حالة الفيروس فرض الإغلاق الكامل.وحتى الآن يبدو أن كل شيء عن فيروس كورونا المستجد غير مؤكد، حيث ظهر الفيروس بشكل غير متوقع، ولكن ربما كان مفاجأة أكثر مما ينبغي للعالم.ويحذر خبراء الصحة العامة منذ سنوات من إمكانية حدوث وباء. ولكن كل بضع سنوات تأتي تحذيرات من كوارث محتملة لا يبدو أنها تتحقق.ومن بين الأشياء المجهولة في الفترة الحالية عن الفيروس: معدل دخول المرضى الحقيقي للمستشفيات، وعدد الوفيات، وكم هم «معديين». إضافة إلى كم عدد المرضى الذين لا يعانون من أعراض ويتجولون بيننا في الشوارع، وكيف يؤثر الفيروس على الشباب، وكيف تختلف عوامل الخطر بين الدول المختلفة مع اختلاف السكان ومستويات التلوث والكثافة الحضرية.ومن المؤكد على ما يبدو أن مرضى الفيروس سوف يطغون على الأماكن المتوافرة بالمستشفيات في بعض الأماكن، كما هو الحال في الصين وإيطاليا، كما أننا لا نعرف إلى متى ستستمر هذه الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية الشديدة.وبدون وجود معلومات موثوقة، واستناد التوقعات إلى بيانات غير مكتملة وافتراضات عشوائية فستظل حالة عدم اليقين هي الغالبة على الموقف.وعدم اليقين هذا يجعل من الصعب إدارة أزمة الفيروس بنجاح، أو تحقيق التوازن بين الصحة العامة والاقتصاد. ويمكننا أن نتأكد من ذلك عند دراسة الفيروسات التي أصابت العالم في عامي 1918 و1957، ولكن هذه المرة الفيروس مختلف، والعالم مختلف، وكذلك نظام الرعاية الصحية لدينا مختلف.ويجب أن يكون الهدف الآن هو الانتقال من مرحلة عدم اليقين إلى مرحلة المخاطر، ولكن هذا الأمر سيستغرق الكثير من الوقت والبيانات.والآن تتمثل الخطوة التالية في اختبار أكبر عدد ممكن من الأشخاص، وليس فقط الأشخاص الذين يعانون من الأعراض، فبعض المرضى يحملون الفيروس فعلا ولكن بدون أعراض.ومؤخرا، بدأت ولاية كاليفورنيا في اختبار الشباب عديمي الأعراض لمعرفة المزيد عن معدلات انتقال العدوى. وقد لا يكون اختبار كل شخص ممكنا، ولكن الاختبار المنتظم لعينة عشوائية من السكان سيكون مفيدا.وساعد ذلك النوع من الاختبارات في إجراء تحسن بكوريا الجنوبية، التي تختبر آلاف الأشخاص يوميا، حيث تمكنت من إبطاء معدل الحالات الجديدة وجمع البيانات حول كيفية انتشار المرض وتأثيراته على السكان المختلفين ومعدل الوفيات في ذلك البلد.وسيساعد إجراء المزيد من الاختبارات أيضا على حماية العالم من عمليات الإغلاق المستقبلية إذا ظهر الفيروس مرة أخرى قبل أن يكون هناك لقاح آمن وفعال.أيضا يمكن القول إن كل اختبار طبي لديه نسبة من المعدلات الإيجابية والسلبية الكاذبة، وقد يكون معدل الخطأ في اختبارات كوفيد - 19 مرتفعا بشكل خاص.ولا يزال العلماء يتعلمون المزيد من المعلومات عن مدة بقاء الفيروس في الجسم. ولا يجب أن ننسى هنا أن إدارة الاختبارات الطبية الدقيقة تتطلب مهارة كبيرة، وقد تكون عرضة للخطأ البشري.ونحن لا نعرف حتى الآن كيف كانت الاختبارات الموثوقة في الصين، حيث تشير الدراسات إلى أن المعدل السلبي للاختبارات الكاذبة يتراوح بين 3 و50٪ مما يمثل مدى هائلا للخطأ البشري أو التقني.وإذا لم تكن الاختبارات موثوقة، فإن مصدر اليقين المفترض يمكن أن يخلق المزيد من عدم اليقين. وفي هذه الحالة، يجب على إدارة الغذاء والدواء الموازنة بين الحاجة الملحة لإجراء المزيد من الاختبارات بحذر، وضمان استيفاء الاختبارات الجديدة لمعايير الدقة.ويجب على واضعي السياسات بذل أكبر قدر ممكن من الجهد للحصول على بيانات دقيقة. وهذا من شأنه أن يسمح للعالم بتقييم الخطر الحقيقي لفيروس كوفيد - 19. وقد يقودنا هذا إلى مواصلة اتخاذ إجراءات صارمة للحد من انتشارها، أو قد يسمح لنا بتخفيف استجابتنا، وإدارة المخاطر بتكلفة أقل بكثير للمجتمع والاقتصاد.ومهما كانت الاستجابة لتأثيرات الفيروس، فسيكون الأمر المناسب هو اتخاذ القرارات بناء على تقييم المخاطر وليس عدم اليقين والخوف.مدى إمكانية حدوث خطأ في اختبارات فيروس كورونا في الصين.
مشاركة :