قبل عدة أيام طالبت منظمة الصحة العالمية بإجراءات للحد من العنف الأسري المتزايد في كثير من دول العالم، بسبب البقاء في المنازل نظرا لانتشار جائحة وباء كورونا. وهذا مؤشر في غاية الخطورة، ففي هذا الوقت الذي يجتمع فيه أفراد الأسرة في المنزل ليتعاونوا ويتشاركوا فيما بينهم للسلامة والنجاة من وباء كورونا، نجدها تواجه خطراً من الداخل أشد فتكاً وألما مما قد يتسبب في تفكك وتصدع كيان هذه الأسرة، وذلك بسبب ما يسمى بالعنف الأسري لأياً من أفراد العائلة، وعادة ما يكون ضحايا هذا العنف الأسري امرأة أو طفلاً أو من كبار السن أو من أصحاب الهمم، أو العمالة المنزلية. والعنف الأسري تختلف معايير تعريفه اختلافاً واسعاَ من بلد لبلد، ومن عصر لآخر، ولكنه باختصار يقصد به “إلحاق الأذى بأحد أفراد الأسرة باستخدام القوة المادية أو المعنوية بطريقة غير مشروعة”، وقد يشمل عدة صور مختلفة منها العنف تجاه الزوجة أو العنف تجاه الأطفال أو عنف الزوجة تجاه زوجها، كما يشمل العنف الجسدي والعنف اللفظي والعنف الجنسي والعنف الفكري والاجتماعي. ولا يختلف اثنان بأن هناك انتشار متزايد لظاهرة العنف الأسري في كثير من دول العالم، وخاصة في دول العالم الثالث من قبل انتشار جائحة وباء كورونا؛ وذلك لأسباب متنوعة وعديدة. وتختلف أسباب وقوع حالات العنف الأسري من دولة إلى دولة، فهناك الأسباب الاجتماعية أو الثقافية أو الدينية أو الاقتصادية، أو نتيجة لمفاهيم موروثات اجتماعية خاطئة ومغلوطة. ورغم تباين نسبة معدلات حالات العنف الأسري ما بين ارتفاع أو انخفاض ما بين الدول، إلا أننا نجد أن بلادنا -ولله الحمد- وتحت توجيهات القيادة الرشيدة – حفظها الله- قد أولت الاهتمام الكبير في معالجة هذه الظاهرة، وسنت الأنظمة والقوانين والتشريعات والعقوبات الرادعة لمرتكبي هذه المخالفات؛ كنظام الحماية من الإيذاء، وصدور نظام الطفل، وصدور اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء، ولاشك فإن إصدار مثل هذه القوانين والأنظمة لحماية الأسرة من العنف، كان لها دور أساسي في الردع والحد من حدوث إي انتهاكات لكيان نظام الأسرة. ولست هنا للحديث عن ما تقوم به حكومتنا الرشيدة مشكورة من جهود وطنية اجتماعية هادفة، فهذه الجهود كبيرة جدا ولا يمكن حصرها في مقال، ولكن أردت من خلال هذا المقال أن أسلط الضوء ليتنبه الجميع، بأن ظاهرة العنف الأسري في بلادنا يمكن أن يتم احتوائها بتعاون جميع أفراد المجتمع؛ حيث أننا مجتمع مسلم، وديننا الحنيف ينهى عن الاعتداء والخصومات والظلم ويوصي بالتراحم والعدل والاحترام، وبلا شك فإن لظاهرة العنف الأسري انعكاساتها السلبية المؤثرة في إفشال تنشئة الفرد التنشئة السليمة في الأسرة، ومن ثم تأثيره السلبي في صفوف المجتمع. ولذلك فإن معالجة هذه المسألة، تحتاج بالفعل من الجميع التعاون المشترك، وخاصة في ظل ظروف مواجهة وباء كورونا، والبقاء في المنازل، والتي تتطلب من الجميع مضاعفة تحمل المسئولية والتعامل بالإنسانية واللطف ودفن الخلافات والخصومات، ولأهمية معالجة هذه الظاهرة؛ فنقترح تعاون ومشاركة الجميع في ذلك من خلال سلسلة من الحلقات – عبارة عن حلول مقترحة – هي في العموم إجراءات وقائية لاحتواء حالات العنف، وقد يكون هناك مقترحات أخرى، ولكن أشير إلى أهمها: “أولها” دور وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وهي الوزارة الرئيسة المعنية باحتواء هذه الظاهرة، فعليها مسئولية ودور كبير في تنسيق آليات التعاون المشترك مع بقية الجهات المعنية سواء الحكومية والغير حكومية للعمل وفق إستراتيجية وطنية اجتماعية واضحة ومرنة، تسهم في حماية الأسرة من العنف أو الإيذاء. “ثانيا” دور وزارة الإعلام في تقديم برامج ولقاءات مع الخبراء والمتخصصين الاجتماعيين والنفسيين، من أجل تحصين وحماية جميع مكونات بيئة الأسرة، وتقديم رسائل إعلامية توعوية طوال العام، للرفع من الوعي والمسئولية الاجتماعية بين أفراد المجتمع. “ثالثا” دور وزارة التعليم في تضمين مناهجها بما يكفل توعية الطلاب والطالبات بأهمية سلامة كيان الأسرة ودرء المخاطر عنها. “رابعا” دور الأفراد المؤثرين في المجتمع بنشر الرسائل الإعلامية في تعزيز القيم الاجتماعية، والتصدي لكل أسباب الخلافات والخصومات، من خلال وسائل منصات التواصل الاجتماعي المختلفة. “خامسا” دور الخطباء في المساجد لاحقا بعد انتهاء الحظر – إن شاء الله – فهذه مسئوليتهم في إعداد خطب من فترة لأخرى تعزز من مقومات بقاء وسعادة الأسرة وحفظها من الهدم والانهيار. وأخيرا وليس آخرا يأتي الدور الأهم وهو دور الأسرة نفسها ممثلة في الزوجين وهما الأساس، وهنا أجدها فرصة وتوصية لجميع الأزواج والزوجات في تعميق روابط الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة، وتبني سياسة التغافل على الدوام، والتي هي من أخلاق وشيم الكرام، إن سياسة التغافل بين الأزواج وبين أفراد الأسرة لها دور كبير جدا في تخفيف وطأة الخلافات والخصومات، ونشر أجواء الثقة والسعادة والأمل في نفوس أفراد العائلة، وذلك لما للتغافل من دور كبير في صرف النظر وعدم الالتفات إلى الأخطاء والزلات، ومعالجة أي موقف أسري بالحكمة والصبر والرحمة والتضحية. وبلا شك أن هذه الإجراءات الإنسانية الأسرية بين أفراد الأسرة ستعزز من ديمومة وسعادة الأسرة، وتضاعف من صمودها، رغم كل الظروف سواء في ظل الحجر المنزلي بسبب وباء كورونا أو بعد زوال هذا الوباء إن شاء الله، لأن في ذلك مناعة -بإذن الله- من وقوع إي عنف أو إيذاء يلحق بأي من أفراد الأسرة، فخلوا الأسرة من العنف ونجاحها في المجتمع، وإسهامها المتميز في خدمة الدين ثم المليك والوطن يستحق من المجتمع والمؤسسات الحكومية والغير حكومية والقطاع الثالث والأسرة والفرد، الإسهام الجاد والمشاركة الحقيقية في احتواء هذه الظاهرة السلبية المخالفة للدين والقيم والسلوك الرشيد. ——————مستشار أمني عبدالله مفرح عسيري
مشاركة :