ذات يوم طبّقتُ تجربة علمية طريفة.. ومبهرة! طلبت من شخص أعرفه مشاهدة مقطع لفريقين أبيض وأسود يتقاذفون الكرة وأن يعد مناولات الفريق الأبيض، وأثناء اللعب يأتي شخص في لباس غوريلا يمشي أمامهم. سألته عن عدد المناولات فقال: ست عشرة. إجابة صحيحة. وعندما سألته إذا رأى أي شيء خارج عن المألوف قال: لا، ولما أريته الغوريلا الذي فاته اتسعت عيناه وسقط فكه مشدوهاً! ظل يستغرب ويقول: "كيف فاتني هذا؟!"، وكررتُ التجربة حتى صار العدد الإجمالي اثني عشر شخصاً، سبعة منهم غفلوا عنها تماماً وفوجئوا لما أريتهم الغوريلا لاحقاً، والخمسة الآخرون انتبهوا لها، ولكن اثنين منهم لم يتذكرا إلا بصعوبة! هذه من الحقائق المدهشة التي أتى بها كتاب الغوريلا الخفي، ويدرس عمى ذهنياً يُدرك الغالبية، هذا العمى اللاشعوري ليس بالضرورة سيئاً، بل هو وسيلة مهمة تنفعنا في التركيز على ما نود عمله، فلو لم تركز انتباهك على اللاعبين لصعب عليك العد. والذي أظهرَته لنا هذه التجربة -وغيرها كثير- النقص العظيم الذي يعتري العقل البشري حتى في أشياء نظنها مضمونة، كالذاكرة والإبصار ومهام عقلية أخرى. علماء النفس يسمون هذه الظاهرة "وهم الانتباه"، فالبشر يظنون أنهم ينتبهون للأشياء الواضحة التي تَمثُل أمام أعينهم، ولكن الحقيقة أن البرهان يُثبت عكس هذا، خاصة إذا كان الشخص مُركِّزاً على شيء آخر. المقطع موجود على الانترنت باسم The Invisible Gorilla وتستطيع أن تُجري التجربة على أناس تعرفهم بأن تخبره أنك ستريه مقطعاً وأن عليه أن يعد مناولات أحد الفريقين وستجد النتيجة مقاربة: قرابة النصف أو أكثر لن ينتبهوا للغوريلا. لا تعتقد أن الغوريلا خفي أو أنه ركض بلمح البصر، فقد استغرق دخول الغوريلا إلى خروجه 9 ثوانٍ كاملة، ومشيه بطيء، ويقف في نصف الشاشة ويضرب صدره، ورغم ذلك لا يسجل المخ رؤيته. تجارب كهذه أثبتت قصور العقل البشري، وأن ذاكرتك وبصرك لا يمكن الاعتماد عليهما في كل الحالات كإثبات قطعي، ولعل هذا القصور من أسباب اشتراط الشرع شاهدين خاصة التي تتعلق بأمور مهمة كالزواج والحدود الشرعية وما إلى ذلك. طبق التجربة ولاحظ ما يحصل!
مشاركة :