جاء رمضان فأهلا وسهلا به من ضيف حبيب طال انتظاره، يأتي إلينا بسكينة وهدوء ليطمئن القلوب ويصفي العقول. رمضان في كل سنة هو وقفة مع النفس للتأمل والتفكير، وهو فرصة لمراجعة بعض العادات والطبائع التي ربما تحتاج إلى تغيير أو تهذيب. وهو كذلك فرصة لتوثيق روابطنا مع السماء، والتي تراخت مع طول العهد. وحين أطل علينا ببهائه خطرت ببالي عنه بعض من التساؤلات، ولعل منكم من تراوده بعض منها باحثا لها عن جواب شافٍ. من تلك التساؤلات هل العادات تتغير في أيام أم تحتاج إلى شهور؟! في عالم البرمجة اللغوية العصبية - NLP - يزعمون أن تغير العادات يحتاج إلى 21 يوما من الصراع النفسي حتى يبدأ التغيير، ونحن نملك في رمضان مدة أكثر من ذلك قد تصل إلى ثلاثين يوما. اعتقد إضافة إلى كون رمضان جاء لتهذيب النفوس، والازدياد من أعمال الخير والعبادات، فإن هناك أيضا فرصة ذهبية في هذا الشهر الكريم لاختيار عادة أو طبع كنا نتضايق منه كثيرا ونود أن نغيره أو نستبدله. والفرصة للنجاح في هذا الشهر الكريم أكبر من غيره لفضله وهيبته. والتساؤل الآخر الذي لم أزل أحاول فهمه: هو لماذا نرى تلك الشراهة في الأكل تزداد في رمضان من خلال ذلك الهوس الغريب في شراء وتخزين الأطعمة. هل هو أمر سيكولوجي (نفسي)؟!، لأني لا اعتقد أن أحدا منا يستطيع أكل كل تلك الكميات الهائلة من الطعام. ولذلك اقترح أن نقلل منها ولو بنسبة عشرة في المائة عما كنا نشتريه في رمضان السابق، وأن نتبرع بقيمة العشرة في المائة للمحتاجين سواء في الداخل أو الخارج، ومن خلال القنوات الرسمية المعروفة والمعتمدة. وأما من ناحية طبية فإن قلة الأكل خير من كثرته. يقول الدكتور ألكسيس كاريك والذي فاز بجائزة نوبل في الطب: إن كثرة وجبات الطعام وانتظامها ووفرتها تعطل وظيفة أدت دورا عظيما في بقاء الأجناس البشرية، وهي وظيفة التكيّف على قلة الطعام، إن الصوم ينظف ويبدل أنسجتنا. وأدلُ على ذلك وأكمل قوله عليه الصلاة والسلام: بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. والسؤال المحير أيضا ما الذي يجعل الناس يقبلون على قضاء ساعات طويلة في المشاهدات التلفزيونية مع أنهم طوال السنة يشاهدون المئات من المقاطع المرئية عبر وسائل الإلكترونية المختلفة، بل حتى تلك المشاهدات يمكن الآن متابعتها بعد انقضاء الشهر الفضيل على اليوتيوب أو غيره. فلماذا تصبح في رمضان لها شغف مختلف؟! هل هو الفراغ الوقتي أو النفسي أو الروحي؟، وأتمنى ألا يكون السبب الأخير!. أضف إلى ذلك أن كثيرا من الدراسات تشير الى أن كثرة متابعة التلفاز تسبب البدانة! ويجتمع مع ذلك في رمضان كثرة الأكل مما يزيد الطين بِلّة (يزداد سواء). وهناك تساؤل عن مفهوم خاطئ، وهو ارتباط الصوم بالكسل وقلة الحركة، مع أننا لو تتبعنا التاريخ لوجدنا الكثير من الانجازات الجسدية والنفسية حدثت في رمضان ابتدأ من معركة بدر الخالدة إلى فتح مكة، القادسية، عمورية، حطين، عين جالوت، الزلاقة وغيرها الكثير. وأخيرا، على كثرة ما عشنا من رمضانات سابقة يظل قدومه في كل سنة كأنه مولود جديد نفرح ونستبشر به، لأنه يظل دائما يرفع شعار الروحانية والهمة هي الأهم. م. الهندسة الميكانيكية
مشاركة :