تحقيق:هديل عادل من الأمور التي نندم عليها بانقضاء السنوات، أننا لم نقض وقتاً كافياً في التأمل بذواتنا، ولم نفكر بتأنٍ ونسأل أنفسنا: ما الذي يجب تحسينه في حياتنا؟ وما مدى كفاءتنا أو تميزنا؟ وما العادات أو القيم، التي يجب التمسك بها؟ وغيرها من الأسئلة، التي لا يمكن أن نطرحها على أنفسنا في عجالة؛ لأنها تحتاج منا إلى تأمل وتفكير قبل الإجابة عليها، خاصة في المنعطفات؛ مثل نهاية عام أو بدايته.وعلى الرغم من التحديات، التي تقف أمام ممارسة عادة التأمل، إلا أن أثرها الواضح علينا، يستحق منا المحاولة والإصرار عليها، فالتأمل يقودنا إلى إدراك أفضل لجوانب حياتنا، التي تحتاج إلى العمل على تحسينها، وبالتالي إلى اتخاذ خيارات وقرارات أفضل لنا، ومع الخيارات الأفضل؛ سوف تأتي النتائج أفضل بالتأكيد، وستنعكس على حياتنا، وحياة من حولنا.تمارس سها شاكر (معلمة) التأمل بتلقائية تتناسب مع رؤيتها لها، ومع ظروفها، تقول: أنا بطبيعتي أحب التفكير المتأني في الأمور، وأحب أن أختلي بنفسي دائماً، وأستغل أي فرصة للقيام بذلك، وأعتبر هذه الفرص جلسات تأمل، وعادة ما تأخذ هذه الجلسات عدة أشكال، أحياناً أقوم بها وأنا أقود سيارتي لمسافات طويلة، أو عندما أفكر بصوت عال مع أحد المقربين مني، وبالنسبة لي كل المواضيع قابلة للتفكير والتأمل على اختلاف أهميتها؛ لأنها تمنحني أفقاً أوسع وقدرة أكبر على فهم الأمور، كما أنني أجد متعة كبيرة في التفكير في المواقف الإيجابية، التي أمر بها، وأبتعد تماماً عن التفكير السلبي، الذي يتناقض مع معنى ومغزى التأمل الفعّال.يعد أسامة العبادلة (مهندس) فكرة التأمل رفاهية لا مكان ولا وقت لها بين تفاصيل حياته المتزاحمة، يقول: نحن بصعوبة نجد وقتاً للقيام بما علينا من مهام، وكثيراً ما نقوم بأكثر من مهمة في نفس الوقت، وعندما تتطلب بعض الأمور أو القرارات تفكيراً مسبقاً، فإنني في الغالب أقتصر في تفكيري على الأمور المهمة، التي تؤثر في قراراتي، فلا مجال بالنسبة لي للتأمل في أمور أخرى أقل أهمية، كما أن طبيعتي العملية جداً تمنعني من الجلوس والاسترخاء لوقت طويل، فأنا لا أعرف كيف يستطيع بعض الناس قضاء وقت طويل في التأمل.أيضاً لا يتحمس بسام محمد (طبيب) لفكرة التأمل، وخاصة في الذات؛ لكن لسبب آخر، وهو أنه يجد نفسه أمام أفكار إيجابية أحياناً، وسلبية في كثير من الأحيان، وبالتالي فإنه يهرب من الخلوة مع النفس، حتى لا يكون فريسة لأفكاره ومخاوفه، ويقول: أجد نفسي لا إرادياً متجهاً بأفكاري نحو الأمور، التي تؤرقني، ولا أستطيع التفكير في ذاتي بحرية ومرونة وإيجابية، فأشعر وكأني في حالة تقييم وحساب لها، وأنا مدرك تماماً أن هذه الحالة بعيدة كل البعد عن معنى التأمل.يقول معتز جعفر (مهندس): في السابق قبل أن تزداد مسؤولياتي، وتتشعب، لم أكن أشعر بحاجتي إلى التأمل في مغزى وجودنا في هذه الحياة، وفي أشياء أخرى كثيرة تتبادر إلى ذهني، كلما اختليت بنفسي، ومن عاداتي الجديدة أنني أصبحت أحب التأمل في الطبيعة، والتفكير في ما وراء الأشياء، ولا شك أن شعوري بعد الجلوس مع نفسي متأملاً فيها وفي غيرها من أمور الحياة، أفضل بكثير من الهروب منها.وتعتقد هناء السلامي (ربة بيت) أن التأمل والتفكير والتركيز كلها عادات ومهارات مرتبطة ببعضها، وأننها تدعم بعضها، وبالنسبة لها فإنها استطاعت - كما تقول - أن تطور من هذه المهارات تباعاً، توضح: كنت ألاحظ أن قدرتي على التركيز لوقت طويل ضعيفة، وبدأت بمعالجة هذه المشكلة؛ من خلال تثقيف نفسي في هذا الموضوع، وتمكنت من تجاوزه، ووجدت بعد ذلك أن تحسن قدرتي على التركيز انعكس إيجابياً على تفكيري، واليوم أصبحت أحب أن أقضي وقتاً طويلاً في التفكير والتأمل، وأستطيع المحافظة على حالة الاسترخاء والتركيز أثناء ذلك، وأشعر بنتائج إيجابية واضحة على شخصيتي.وتقول هند الدهمان «الأخصائية النفسية»: أكثر أنواع التأمل نفعاً، هي التي تشمل إجراء مراجعة واعية للمعتقدات والتصرفات؛ بهدف التعلم؛ حيث إن التأمل يمنح الدماغ الفرصة لالتقاط الأنفاس، وسط حالة من الفوضى؛ لإجراء عملية فرز وتبويب للملاحظات والتجارب، والنظر في التفسيرات المتعددة المحتملة، والتوصل إلى المعنى، وهذا المعنى يتحول إلى تعلم، وبدوره يساعدنا في تكوين رؤيتنا المستقبلية، ويعد هذا النوع من «تكوين المعنى» أمراً أساسياً؛ من أجل النمو والتطوير المستمرين. وتتساءل الدهمان، إذا كانت عادة التأمل مفيدة إلى هذه الدرجة، فلماذا لا نمارسها بانتظام، كغيرها من العادات، التي نحافظ عليها؟ وتجيب قائلة: بعضهم لا يمارسون عادة التأمل أو التفكير المتأني؛ لأنهم لا يعرفون كيف يقومون بذلك، وبعضهم لا يحبون هذه العملية، ويخشون مواجهة النتائج؛ فعندما يأخذ الإنسان وقته في التفكير، فإنه عادة يرى الطرق، التي كان فعّالة، والأشياء التي كان يمكنه إنجازها على وجه أفضل، وفي كثير من الحالات يتبنى بعض الناس موقفاً دفاعياً قوياً خلال عملية التفكير في ذواتهم وتجاربهم إلى الحد الذي يمنعهم من تعلم أي شيء، وبالتالي لا تكون النتائج، التي يتوصلون إليها مفيدة.أيضاً من الأسباب الكامنة وراء عدم ممارسة التأمل والتفكير أن بعض الناس ينحازون إلى الفعل أكثر من التفكير؛ لأنهم غير قادرين على رؤية العائد، الذي يمكنهم تحقيقه من الاستثمار في التأمل، لاسيما عند مقارنته بالاستخدامات الأخرى للوقت.
مشاركة :