تكثر برامج الفتاوى في رمضان عما هو في غيره من الأشهر وذلك عبر الإذاعات والقنوات الفضائية الرسمية وغير الرسمية مباشرةً وغير مباشرة، وسبب ذلك هو الاهتمام بجوانب الصيام والقيام وقراءة القرآن، وكذلك الذكر والاعتكاف والعمرة والزكاة والصدقة، إلى جانب أنواع البر المختلفة وما يتعلق بها من مسائل، إضافةً إلى ما يتلقاه الناس من مواعظ وخطب ودروس في المساجد تتناول تلك الجوانب، هذه أبرز آليات الفتوى في هذا الشهر الكريم، إلاّ أن الملاحظ هو تكرار الأسئلة من كل عام، مما يؤكد ضعف ثقافة بعض المستفتين. وساهم عدم ثقة المستفتين ببعض المفتين في تكرار أسئلتهم على آخرين، رغبةً منهم في الوصول إلى الإجابة الشافية، كذلك ساهمت بعض الإشاعات عن موضوع معين سواء في شهر رمضان أو غيره في البحث عن الحقيقة، وهو ما جعل بعض المستفتين يذهبون إلى أكثر من مُفتٍ لأجل أن يتأكد من الأمر، ومن أسباب تكرار أسئلة الفتاوى أيضاً هو ضعف الإدراك والوعي والتركيز لدى بعض المستفتين، سواء عبر المواقع الالكترونية، أو عبر التلفاز، أو عبر الإذاعة، حيث إن هناك من لا يُركز في إجابة المُفتي، مما يجعله مُشتت الذهن، وهنا سيبحث بالتأكيد عن مُفتٍ آخر، وتكرار السؤال مرةً أخرى. أهل العلم وقال د. محمد بن مطر السهلي -وكيل كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى-: يطرح المستفتون استفساراتهم على طلبة العلم والفقهاء، وهذا يُعد ظاهرة طيبة تمتثل لأمر الله عز وجل: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، وذلك بالرجوع إلى أهل العلم عند الإشكال عليهم في الأمر، مطالباً العلماء وطلبة العلم عدم التذمر من السائلين؛ لأنهم بأمس الحاجة للاستفتاء، وهم ليسوا من المختصين بهذا العلم، مما يدعى تكرار الأسئلة في كل شهر رمضان، مؤكداً على أن مصدر الفتوى الصحيح هو أهل العلم الشرعي المتخصصون فيه المعروفون بالعمل به، والمستفتي عموماً سواء أكان رجلاً أم امرأة يلزمه التحري فيمن يأخذ عنه الفتوى، وقد قال محمد بن سيرين رحمه الله: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم"، مُشدداً على أهمية تحري الإنسان لدينه أعظم مما يتحرى لدنياه، ومن استفتوه دون تحرٍ فلعله يكون آثماً في تهاونه في ذلك. ضعف الادراك وأوضح أحمد صالح حلبي -كاتب صحفي- أنه تسعى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وغيرها من القطاعات الحكومية ذات العلاقة خلال شهر رمضان من كل عام لتجنيد عدد من الفقهاء وطلبة العلم للإجابة على أسئلة الصائمين حول مواقف وأحداث تعرضوا لها، وتأتي هذه الإجابات عبر خطوط هاتفية مخصصة، أو من خلال برامج تلفزيونية وأخرى إذاعية، وفي جميع الأحوال فإن ما تقوم به الوزارة وغيرها من خدمات للصائمين تشكر عليها، مضيفاً أن من يتابع الأسئلة المطروحة يرى أن جلها أسئلة مكررة سبق وأن تم طرحها إن لم يكن قبل أيام مضت فقد طرحت قبل عام أو أكثر، ويعاد تكرارها من قبل السائلين أنفسهم لعدم قناعتهم الشخصية بما حصلوا عليه من إجابة سابقة واعتقادهم أن هناك إجابة أفضل، مبيناً أن من أسباب تكرار الأسئلة كل عام رغبة السائلين في الحصول على الإجابة السريعة وعدم سعيهم لمراجعة كتب الأحاديث النبوية وما تناوله الفقهاء حول شهر رمضان المبارك ومبطلات الصوم وما حولها، ذاكراً أنه إذا كان لكل شيخ طريقته فان لكل شيخ جمهوره الخاص، الذين يرون أن إجابته صحيحة ومؤكدة وما دونها خطأ، متفقاً مع ما يشير إليه خبراء علم الاجتماع بأن أسباب تكرار الأسئلة الرمضانية كل عام عائد إلى ضعف الإدراك والوعي والتركيز على حدٍ سواء، فالحاجة لدى البعض تجعلهم ملحين في تكرار أسئلتهم لترسيخ وتطبيق الأمر الديني بصورة صحيحة. أكثر من مصدر وأكد حلبي على أن ضعف التركيز يجعل الإجابة لا تترسخ بذهن السائل بشكل صحيح، فيما يعتبر بعض السائلين أن تطبيقه للفتوى التي حصل عليها لن تكون بالصورة الصحيحة ما لم تترسخ بذهنه من خلال إجابات مكررة كل عام، مضيفاً أنه تزداد الصعوبة ويزداد التكرار إن كان المستوى التعليمي والثقافي للسائل ضعيفاً، فيعتقد بأن الإجابات لن تكون صحيحة وسليمة ما لم تأت من أكثر من مصدر، مبيناً أن ثمة من يرى أن تكرار الأسئلة يعني تكرارا للتجربة خاصة إذا رأى بأن في الإجابة التي تلقاها من قبل غموض وخروج عما كان يهدف للوصول إليه، ذاكراً أن للشائعات دوراً في تكرار الأسئلة، حيث تلعب دوراً في تكرار الأسئلة والإجابات المؤكدة، فيرى السائل بأن ما سمعه من أقوال حول إجابة ذاك الشيخ غير موثوقة وصحيحة، وهو ما يعني تلقيه أو سماعه لشائعة عن فتوى قالها شيخ وهي غير صحيحة، في حين تكون تلك الفتوى مؤكدة ومستندة لمراجع فقهية، مشيراً إلى أن سبب تكرار الأسئلة يعود لعدة عوامل منها؛ غياب النضج الفكري لدى بعض السائلين، اعتمادهم على شيخ بذاته واعتبار إجابات الآخرين غير صحيحة، إضافةً إلى الجوانب النفسية التي يعيشها البعض نتيجة خطأ غير مقصود في الصوم، واعتقادهم بارتكاب جرم عظيم، إلى جانب رغبة البعض في إضاعة أوقاتهم بشيء مفيد بالاتصال والسؤال خاصة إن كان البرنامج تلفزيونياً أو يبث إذاعياً عصراً. ارتفاع الأمية وقالت فاتن حسين -كاتبة-: بالنسبة لموضوع تكرار أسئلة الناس للمفتين في رمضان، فأرجع ذلك إلى عدم متابعة الناس للبرامج الدينية السابقة، وبالتالي فهم يجهلون الكثير من الأمور، خاصةً المتعلقة بأمور رمضان والصلاة وغيرها، فيصرون على السؤال ليكون اتباعهم للدين كما يتطلبه الشرع والسنة النبوية الشريفة، مضيفةً أن تكرار الأسئلة في كل عام شيء طبيعي في ظل وجود نسبة من الأمية في المجتمع تصل إلى (13%) تقريباً، ذاكرةً أن الإعلام وخاصةً المرئي والمسموع وسيلة لنشر العلوم الشرعية والثقافة وتعليم الناس لتوطين المعرفة وتنمية المجتمع، وعليه مسؤولية جسيمة تتطلب وجود كوادر بشرية وبرامج قادرة على إيصال المعرفة وتوعية المجتمع، داعيةً الله أن يُجزي الدعاة والمصلحين والقائمين على البرامج الدينية خير الجزاء على أدائهم هذا الدور الاجتماعي الكبير.
مشاركة :