ننشر قصة السمكة الأخيرة لـأشرف الخضرى

  • 4/23/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تنشر "البوابة نيوز" القصة القصيرة "السمكة الأخيرة"، للكاتب أشرف الضخرى من المجموعة القصصية "في ثقب بيضة.وجاءت رواية "السمكة الأخيرة" كالتالي:مضت شهور طويلة منذ وفاة أمي ولم نذهب إلى البحر. الصيد في صيام رمضان صعب، لكننا عزمنا الأمر أنا وأخي صابر. نخرج من صلاة الفجر مهرولين، بمجرد تلفظ الامام بالتسليم الثاني. صيادون كثيرون يسرعون إلى البحر عند سماع الآذان، دون أي شعور بالأسى لتجاهل فرض الله، يتسابق الجميع على الطريق، من أجل الوصول أولا والحصول على حجر في موقع متميز. وصلنا متأخرين عن بقية أصحابنا إلى الحاجز الخرساني الذى يمتد لمسافة كيلو متر في البحر، وقفنا على حجرين متقابلين شكلا مصطبة مستوية آمنة. فتحت البوصة التي امتدت بطول خمسة أمتار، سميت الله، فتحت غطاء الجردل البلاستيكي والهواء يتدفق من الموتور الصغير عبر خرطوم دقيق إلى قطعة فخار كمكعبات السكر تنفث ثقوبها الهواء المتجدد في الماء المالح، ليهب الحياة للجمبري الحى، أمسكت (جمبرياية) حية تتقافز وتفلت في كل اتجاه، برفق واحتراف أدخلت سلاح السنارة في رأسها النابض بالحياة دون أن أقتلها، ثم قذفت الطعم في البحر، بحركة فنية تحتاج مهارة وتدريب. الجو جميل جدا والمياه تترنح برفق كأنثى تتدلل وتلطم أحجار الشاطئ، نسمة باردة تطل على الكون كل صباح قبل ميلاد الشمس، نور أبيض يغلف الملكوت لا ينبع من ضوء قمر ولا نور شمس. مرت نصف ساعة ولم تظهر أسماك بعد. حركة المد والجزر جعلت غمازتي تقترب من البر، وفى اللحظة التي قررت فيها أن أسحب سنارتي خارج الماء، غرقت غمازتي في غمضة عين، دق قلبي بعنف، رعشة أحبها سرت في جسمي كله، ركبتاي تصطكان، حلقى يجف، انحنيت في وضع الركوع، انتظرت...انتظرت...انتظرت...عشر ثوان كأنها شهر، بدأت ألف الخيط على البكرة ببطء، أخذت القرار وضربت، جذبت البوصة إلى الأعلى كأنى ألطم الأفق، فارتدت بقوة باتجاه الماء، علقتها، السنارة شبكت في حلق السمكة فاندفعت بكل قوتها إلى أعماق الماء، تنحرف مرة نحو اليمين أو اليسار أو تسبقني إلى البر!! تستميت للخلاص من سلاح السنارة، قوة مدهشة كأن حصانا علق في الخيط، العيون تتحول للتركيز معي. تنزل النصائح على أذني كالمطر، (على مهلك) (أرخ لها الخيط ) (ترفق بها ). فقدت مهارتي مع الأسماك، لم أسرح منذ عام تقريبا. انتبهت على صوت أخي ينهرني أن السمكة ستقطع الخيط وأننى أشدها بعنف وغباء، أرخيت الخيط ومنحت السمكة فرصة للإحساس أنها أصبحت حرة، خرجت إلى براح البحر الواسع، تركتها تطمئن أنها تسيطر على الموقف، ثم توقفت عن منحها المزيد من الخيط ونصبت البوصة لأعلى، بدأت تنهار وأنا ألف الخيط على البكرة والسمكة لم تطفو بعد، والعيون مأسورة تبحلق في الماء. السمكة طفحت، ظهرت على وجه الماء وأخذت تضرب بذيلها ورأسها في آخر محاولة للخلاص من سلاح السنارة الذى سفك دماءها. رفعت البوصة لأعلى وشبحت وجه السمكة عن صفحة الماء لقطع أنفاسها الأخيرة في لحظة قتل عديمة الأحاسيس! صرخت في الصيادين، هل معكم (جلب) رد الجميع لا يوجد. لفت انتباهى وقوف رضا صديقى على شفة الماء، استاذنته أن يجلب السمكة لى بيديه، ترك بوصته على الحجر ثم جثا على ركبتيه لكنه لم يفلح في التقاطها، كرر المحاولة ففشل، نام على بطنه ومد يده فأفلتت السمكة. حاول امساكها من الخيط فنهرته برفق، لا تمسكها من الخيط، تحير للحظة ثم قرر ادخال يده في فم السمكة، قال أخى ستقطع أصابعه طمأنته لا تخف القاروص سمك أهتم ليس له أسنان وليس في حلقه لسان! تمكن رضا من ادخال راحة يده وطبق عليها بالابهام بكل قوة فأفلتت السنارة من اللحم وتأرجحت تلمع في الهواء! سقط قلبى بين قدمي وتقافز فوق الأحجار كالكرة ثم استقر بين ضلوعى، الحمد لله، نصف دقيقة فقط كانت كفيلة بضياع سمكتى. شفاه القاروص رقيقة تتمزق وتتسع فيخرج السلاح من اللحم، نزل أخى على الأحجار المائلة بحرص، الطحالب الناعمة الوليدة فوق الحجر تتسبب في سقوط أمهر الصيادين والاصابات تكاد تكون قاتلة! صابر أخذ السمكة من رضا، أدخل اصبعين في الخياشيم، واستمات بيده عليها، ثم صعد الأحجار الخرسانية الخطيرة، لو أفلتت قدمه ستتحول الفرحة إلى مأساة. أخذت السمكة من يده بنفس الحرص، وأنا أحذره لا تتركها الآن، الفرحة عارمة سرت في دمائنا، ماشاء الله، اللهم لك الحمد. فتحنا (المرجونة ) لم نجد (الزكيبة )بداخلها! يالله هذه مصيبة ! سألنا أصحابنا عن زكيبة فائضة، فلم نجد، فكرت في حل يخرجنا من الورطة، تذكرت الأستيك الذى نربط به العدة على كرسى الموتوسيكل نزل صابر بسرعة وأحضره لى. أدخلت الخطاف الأول في فم السمكة وأخرجته من خياشيمها وشبكت الخطافين في المرجونة وأغلقتها باحكام ونحن في قمة القلق أن تنتفض السمكة وتسقط في البحر. رميت رمية جديدة، واصطدت دنيسة بحجم الكف، ولم تظهر أسماك بعدها، قلت لأخى بارك الله فيما رزق، وانطلقنا بالمكنة الصينى والساعة تخطت الثامنة وأنا أحدث نفسى: أبى سيفرح جدا، يعشق صيادية القاروص، كان يفرح فرحتين يوم قبض المعاش ويوم استلام التموين، عندما أصبحنا في منتصف الطريق وتجاوزنا كوبرى رأس البر، إنثقبت العجلة الخلفية، نزلت وأخذت المرجونة والعدة والجردل وركبت سرفيس رأس البر دمياط، وركب أخى على تنك بنزين الموتسكيل وانطلق، المعدية تعمل ياترى، بادرنى السائق تسهر للصباح لنقل العائدين من المصيف، انتظرت المركب مر أخى أمامى يركب فوق أول التنك والعجلة مثقوبة والموتسيكل يهتز ويتمايل، قلبى امتلأ بالقلق على أخى، عبرت في المعدية، ودمياط في صباح جمعة رمضان هدوء رهيب، كأن الناس هلكوا مرة واحدة! دخلت المطبخ وضعت السمكة في الحوض. وغسلتها جيدا، دخلت إلى أبى في السرير، أبى..أبى..انتبه وهو خفيف النوم جدا، إنظر ربنا رزقنا بقاروصة. كان يقول كلما اصطدت قاروصة كبيرة والذى خلقك وسواك أنت كنت ترضع من هذا. ابتسم وقال ماشاء الله ثم سألنى كم الساعة ؟ أخبرته: التاسعة. سألنى عن أخى فقلت له يلحم العجلة، ثم عاد إلى النوم المتوتر، فهو يحب الذهاب إلى صلاة الجمعة مبكرا، حيث يحتفى المصلون العجائز بمن يدخل المسجد مبكرا بتوزيع كرملة. سمعت صوت الموتسيكل فذهب هلعى خرجت إلى البلكونة وسألته: لحمتها! قال: نعم، قلت له: طيب سلسل المكنة واصعد. التقطنا عدة صور مع السمكة ثم وضعتها في الثلاجة، تركت ورقة على ترابيزة السفرة. (توجد قاروصة في الثلاجة صيادية إن شاء الله).

مشاركة :