ها هو رمضان يطرق باب العمر فى موعده .. ها هو ينتظر الدخول بمشيئة رب الأعمار والأنام والكون كله ..فهل تسمح له بقية من أعمارنا بالمكث فى بركاته ورحاب إيمانياته وجمال نسماته ....إنه رمضان.. الضيف الذى ننتظره طوال شهور العام ..نعد له الأيام وكلنا شوق وأمل فى عبادة أقوى وتوبة أعدل وقلوب أنقى ونفوس أصفى ..ها هو يأتى هذا العام  ولكن ليس كما كان يأتى كل عام رمضان هذا العام جاءنا  مختلفا..غريبا ..وكأنه غاضب منا أو حزين علينا  ..رمضان هذا العام  جاء بلا مساجد.. بلا جماعات بلا اعتكاف.. بلا تراويح ...كيف سيمر علينا؟  كيف نحياه ؟لقد حرمت علينا روحانياته ونسماته ...هل هذا ابتلاء غضب وطرد... أم ابتلاء صبر ورفع للقدر !!..سؤال يجب أن نجيب عنه بصراحة دون مجاملة أو خداع. يجب على كل منا أن  يراجع نفسه فلم يأت بلاء إلا بذنب ولن يرفع إلا بتوبة ..كلنا يعلم كيف  قصر فى جنب الله.. كلنا يعلم ماذا فعل فأغضب الله ..إن هذه ليست دعوة لنعلن ذنوبا فعلناها وسترها الله علينا ولكنها  دعوة للعودة  إليه مخلصين له الدين معترفين بما أجرمنا فى حق أنفسنا وفى حق غيرنا حتى يتوب علينا ويعفو عنا ويعيد لنا رمضان بنفحاته وروحانياته ..لقد أذنبنا كثيرا ..نعم  كتمنا كلمة الحق خوفا من السجن فسجنا فى بيوتنا ..ورأينا ظلم المسلمين فى بلاد عديدة فلم نحرك ساكنا خوفا على علاقات ومصالح مع دول العالم فاذا بنا نقطعها اليوم خشية الموت القادم منهم  ليتداول بيننا وفى أنفاسنا ..سكتنا عن الفساد خوفا على قطع  الرزق فاحتجب الرزق عنا بلا إرادة منا أو من غيرنا .ورأينا الرذيلة فلم نمنعها حتى تفشت واعتادت دربنا فمنعنا حتى من اللقاء الحلال والسلام الحلال  والكلام الحلال فيما بيننا . رضينا الدنية فى ديننا وتركنا حفاة العلم عراة الخلق أعداء ديننا يهزؤون بشعائرنا ويهاجمون علماءنا ويحاربون قيمنا ويطالبون بالحق فى الإلحاد والشذوذ  بدعوى الحرية الزائفة ..بل تحدى بعضهم وطالبوا بالتغيير فى العقيدة والثوابت بدعوى التجديد وسأل آخرون  تقنين المساواة فى الميراث بين الرجل والمرأة بدعوى العدل ..فلم نردهم بالحجة ولم نمنعهم عن حرب أشبه بالردة وكان اقل ما علينا فعله أن  نصرعهم بمقاطعتنا  ونلفظهم من حياتنا ..والله لو كانوا تعدوا على ذى سلطان ومال لقامت عليهم الدنيا حتى زال  مالهم من ذكر أو  أثر ...ولكنهم أجبن من ذلك .لابد من الاعتراف بالذنب والعودة للرب وتصحيح الدرب حتى يكشف الله عنا الغمة ويرفع النقمة ..والمحنة ..فنعود إلى نعمة الحياة التى جحدناها فحرمنا الله منها .. يجب أن نعود إلى الله  فهو وحده العالم بمعنى الحياة وسر الحياة . لأنه هو واهبها وسيدها ..لابد أن نفيق فليس مانحن فيه إلا عقاب ولو لم نتغير من داخلنا ونعود إلى صحيح الإيمان ..لجاء الرد بعقاب أشد ...قد لا يبقى ولا يذر ..فتسرى علينا سنة الاستبدال ..فكم تأله المتجبرون وتطاول العلمانيون وتكبر الظالمون ونحن نرى ونسكت ونتناسى ونبرر ..فسلط الله علينا أصغر جنده ليعيد كل جاهل إلى  حجمه ..فلنعرف  قدرنا ..ونعترف بعجزنا ونقر بقدرته ...وجبروته وعزته سبحانه وتعالى عما يصفون .....ربنا رحمتك سبقت غضبك وعفوك سبق عذابك ..وفضلك سبق عدلك ..ليس لنا إله  سواك ..اللهم اقبلنا وارحمنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ...واجعل منحة رمضان صوما مقبولا وذنبا مغفورا ..وتوبة نصوحا ...والحمد لله رب العالمين.