عندما نريد التحديد فنحن أمام سجل يجمع بين دفتيه مجموعة من التراجم لرواد المسرح في مراحله الأولى وفيما تلاها، حتى وقتنا هذا، التى ازدحمت بالأحداث الفنية والاجتماعية، وتخللت خلالها حياة المسرح العربى عامة والمصرى خاصة، التى تسير بدافع من التطور المحتوم، وتكتسب أرضا جديدة بالوعى العربى، الذى لم يشغله فن التمثيل في الكثير أو القليل، فقد خرجت من تحت عباءة خشبته العديد من الفرق المختلفة، التى ساهمت بشكل كبير في خلق جيل واعٍ بالفنانين، والمخرجين، والكتاب، حتى أصبحوا أحد رموز الحركة المسرحية في مصر والوطن العربى. «البوابة نيوز » تستكمل هذا العام الباب الخاص بعنوان «فرق منسية» على مدى 30 ليلة من ليالى رمضان الكريم، والذى طرحته في رمضان الماضى، يلقى خلالها الضوء على عدد كبير من الفرق المسرحية المصرية والعربية على مر العصور، التى تركت بصمة واضحة في تاريخ المسرح، وذلك من خلال تجاربهم الإبداعية الهادفة، قدموا خلالها مواسم مسرحية لاقت نجاحا كبيرا داخل مصر وخارجها، فقد توقفت نشاط تلك الفرق عقب رحيل مؤسسيها، ولكن ظلت أعمالهم باقية وخالدة رغم الرحيل. قال الدكتور سيد على إسماعيل، أستاذ المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان، إن الفنان عبد الرازق عنايت، أحد شهداء التمثيل ورافعى منارته، لأنه من طليعة من نهضوا بالتمثيل المسرحى في مصر خلال القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، فكان له قدر كبير من العلم والثروة، ومن جهوده المشهودة أنه شيد مسرح القبانى بالعتبة من ماله الخاص، والذى شهد مجد فرقة القبانى طوال عهدها في القرن الماضى. وأضاف إسماعيل، أن جهود «عنايت» لم تتوقف لحظة عند مساعدة «القبانى» فقط، بل كان مديرا ماليا لفرقة «سليمان قرداحى»، وضم إليها بعض فنانى «القبانى»، إضافة إلى نخبة من هواة مصر المشهورين في تلك الفترة، من بين هؤلاء الفنانين «محمد بهجت»، «عبد المجيد شكرى»، والمطرب «إبراهيم سامى»، وعندما انفصل الشيخ سلامة حجازى عن فرقة إسكندر فرح في ١٩٠٥، بادر «عنايت» بمده بالمال اللازم لاستئجار مسرح فردى وتجديده، وأطلق عليه بعد ذلك «دار التمثيل العربى»، وقد وصلت الروابط الحميمة بين «عنايت»، «حجازى» إلى أبعد الحدود حتى وصلت لزواج ابن عنايت من ابنة الشيخ سلامة حجازى حسب ذكر المراجع الحديثة. وأوضح إسماعيل، أن عنايت لم يتوقف دعمه للمسرح لحظة فقد كون فرقة كبرى لجورج أبيض، وذلك فور عودته لأول مرة من أوروبا، وكون فرقة مسرحية أخرى لعبد الله عكاشة وأخواته، واستأجر لها دار التمثيل العربى، وذلك بعد أن أعاد تشييده في ١٩١٤، وكان يعمل بها الشيخ سلامة حجازى في بعض الليالى الخصوصية مجاملة لصهره، وأمام الكساد الذى لاقته الفرق الكبرى بعد ذلك فقد قام «عنايت» بمحاولة جادة لدعم نشاطها في ١٩١٥، عن طريق توحيدها في فرقة كبرى ضمت فرقة جورج أبيض، سلامة حجازى، عبد الله عكاشة، وذهب بها إلى الشام لتقديم موسم الصيف هناك وحققت نجاحا كبيرا، فقد دب الشقاق بين أقطابها الثلاثة فاستقل كل منهم بفنانيه، حتى عادت الفرق الثلاث تمارس نشاطها في مصر، ولكن خص «عنايت» فرقة عكاشة بماله ولم تطل رعايته للفرقة حتى رحل في ذلك العام. ومن هنا نصل إلى أن «عنايت» ضحى بماله وحياته من أجل دعم وتنشيط الفن المسرحى في مصر، لذلك فهناك جوانب أخرى مجهولة عن حياة هذا المجاهد وحياة أسرته بعد وفاته، والموجودة في بعض ملفات دار المحفوظات بالقلعة.
مشاركة :