ملفين غودمان * خلال السنوات الثلاث الأخيرة، اتبعت إدارة الرئيس دونالد ترامب سياسات متقلبة عديدة مع حلفاء وخصوم أمريكا على السواء. وفي حالة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وضعت هذه الإدارة الولايات المتحدة على طريق «حرب باردة» ومواجهة محتملة بين أكبر جيشين وقوتين اقتصاديتين في العالم. قبل خمسين سنة، اعتمد الرئيس ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسينجر سياسة انفتاح تجاه الصين، وهي سياسة اعتمدها أيضاً الرؤساء الأمريكيون اللاحقون. وقد عملت القوتان بنجاح من أجل إقامة أضخم علاقة تجارية ثنائية في العالم. واليوم، تمارس عشرات آلاف الشركات الأمريكية أعمالاً في الصين. وفي الوقت الراهن أيضاً، يشكل الطلاب الجامعيون الصينيون أكبر مجموعة من الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة. ونيكسون وكيسينجر لم يلتزما بالحوار مع الصين فقط، وإنما أيضاً مع روسيا، ما جعل العلاقات بين واشنطن وبكين، وكذلك بين واشنطن وموسكو، أقوى بكثير من العلاقات الثنائية بين موسكو وبكين. وبذلك كسبت واشنطن قوة تأثير على الاتحاد السوفييتي والصين، ما أتاح لها عقد معاهدات مهمة حول الحد من التسلح مع موسكو، وترسيخ علاقات سياسية واقتصادية مستقرة مع بكين.غير أن سياسات إدارة ترامب تسببت بتدهور علاقات الولايات المتحدة مع روسيا والصين، ما دفع موسكو وبكين إلى بناء علاقات ثنائية وثيقة. والحرب التجارية التي تخوضها إدارة ترامب مع الصين، وكذلك الاتهامات المتبادلة بين الجانبين بشأن المسؤولية عن انتشار وباء فيروس «كورونا»، أثارت أجواء «حرب باردة» بين الولايات المتحدة والصين.وبدلاً من أن تركز إدارة ترامب على تعاون ثنائي مع الصين كان يمكن أن يتصدى لمسائل خطرة؛ مثل: التغير المناخي، والإرهاب وانتشار الأسلحة النووية، فإنها تخلت عن الحوار والتفاهم، وهي تبدو الآن متجهة نحو مجابهة بين القوتين. وفي الوقت الراهن، بينما أخذت حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية تحتدم أكثر فأكثر، تبنت الإدارة الأمريكية مقاربة قدح وتشهير تجاه الصين، وهذا ساهم في اتفاق الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أمريكا على اعتماد ميزانية دفاع قياسية، وتوجيه اتهامات إلى الصين بأنها هي سبب انتشار فيروس «كورونا». ومنذ العام الماضي، أعادت إدارة ترامب إحياء «لجنة الخطر الداهم»، التي شكلتها الحكومة الأمريكية في خمسينات القرن الماضي؛ بهدف «احتواء» الاتحاد السوفيتي، ولكن هذه المرة من أجل التركيز على الصين. وفي الوقت الراهن، تحتدم توترات بين الولايات والصين في بحر الصين الجنوبي، الذي تعلن بكين سيادتها عليه وتعده جزءاً من مصالحها الأساسية. وفي الفترة الأخيرة، كانت التوترات بين الجانبين في هذا البحر تهدد بمصادمات بحرية، كما كانت أحد أسباب انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى - ما سيعطيها الآن مبرراً لنشر صواريخ «توماهوك» ( المخصصة لضرب أهداف برية ) في بلدان آسيوية حليفة. وحسب أحد أبرز الخبراء الأمريكيين في الشؤون الصينية، وهو لاييل غولدشتاين، البروفيسور والباحث في كلية الحرب البحرية في الولايات المتحدة، فإن النزاع بين واشنطن وبكين في بحر الصين الجنوبي يقارن بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وهي الأزمة التي وضعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على شفير حرب نووية. ولكن على الرغم من كل هذه التوترات، يبقى هناك أساس كبير لحوار استراتيجي جدي بين الولايات المتحدة والصين، لأنهما تتشاركان العديد من الاهتمامات في شرق آسيا. كما أن القوتين تريدان التحكم في التوترات العسكرية بينهما؛ لأن ذلك يعزز التجارة والاستثمارات المتبادلة بين القوتين. * باحث في مركز السياسة الدولية في واشنطن - موقع «كاونتر بانش»
مشاركة :