يونس السيد من يتذكر الآن حزب العمل «الإسرائيلي» لولا الإعلان عن مشاركته في حكومة الطوارئ التي توصل نتنياهو وجانتس إلى اتفاق حولها، ومصادقة مؤتمر الحزب على الانضمام فعلاً لهذه الحكومة في محاولة من عمير بيرتس رئيس الحزب للتأكيد بأنه لا يزال موجوداً في الفضاء العام «الإسرائيلي». عودة تستحق الرثاء بالفعل، وربما الكثير من «الشفقة» بعدما تم منح حزب «العمل» أكثر بكثير مما يستحق، فهو لم يحصل سوى على ثلاثة مقاعد في «الكنيست» في الانتخابات الأخيرة، ومع ذلك منح وزيرين في الحكومة الجديدة، وتم إدخال بيرتس عضواً في المجلس الوزاري المصغر، إضافة إلى إدخال أحد أعضاء حزبه في اللجنة الوزارية للتشريع، إلى جانب ممثل في اللجنة الوزارية؛ للتعامل مع أزمة «كورونا». من الواضح أنه يتم التعامل مع حزب «العمل» على طريقة «ارحموا عزيز قوم ذل»، أو لربما مع إرث حزب «العمل» الهائل حتى وإن كان لا يجسده الواقع الحالي. فمن الناحية العملية، هذه المشاركة الأولى له في الحكومة منذ عام 2013؛ بعد أن تراجعت قوته الانتخابية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فمن 19 مقعداً في انتخابات 2015 (في إطار تحالف المعسكر الصهيوني) إلى 6 مقاعد في إبريل/نيسان 2019، و5 مقاعد في سبتمبر/أيلول الماضي إلى 3 مقاعد في انتخابات مارس/آذار الأخيرة. ولكن لماذا هذا التراجع المخيف إلى حد التلاشي لحزب تصدر لمهمة إنشاء «إسرائيل»، واضطلع بمسؤولية إقامة مؤسسات دولة الاحتلال على أنقاض الشعب الفلسطيني، وأسس المشروع النووي «الإسرائيلي»، وهيمن على الحياة السياسية منفرداً بين أعوام 1948 و1977. ربما يتعلق الأمر بغياب زعامات، لها مواصفات قيادية «كاريزما» معينة، من نوع بن جوريون وموشيه ديان وجولدا مائير وشمعون بيريس وإسحاق رابين وغيرهم. لكن الأمر الأكثر وضوحاً هو أن تغييراً جوهرياً حدث يتعلق بتطور بنية المجتمع «الإسرائيلي»، وتحول أغلبيته الساحقة إلى اليمين والتطرف والعنف، ما يعني أن أيديولوجية حزب العمل التي كان يقدم نفسه من خلالها على أنه «يسار الوسط» لم تعد صالحة لمجتمع يجد نفسه متلائماً أكثر مع اليمين المتطرف. حتى ما يوصف باليمين الذي أصبح ينافس نفسه في السنوات الأخيرة، تحت يافطة اليمين التقليدي ممثلاً بحزب «الليكود» وحلفائه بزعامة نتنياهو و«يمين الوسط» ممثلاً في تحالف «أزرق أبيض» بزعامة الجنرال بيني جانتس، لم يعد مقنعاً لأغلبية «الإسرائيليين» الذين باتوا يفضلون أحزاباً وقوى سياسية موغلة في التطرف والتشدد الديني، ما دفع «الليكود» إلى الاقتراب أكثر من قوى التطرف، وتبني السياسات التي تخدمها، بينما دفع تحالف «أزرق أبيض» إلى الدخول في صفقة مع «الليكود»؛ للتغطية على إخفاقاته وشعوره بالعجز عن إيفائه بالوعود التي قطعها لناخبيه. وسط هذه الأجواء يشارك من تبقى في حزب «العمل» في حكومة لن يكون له أي تأثير جدي فيها، بعيداً حتى عن حكومات الشراكة والصراع التاريخي مع «الليكود»، ربما للتذكير بأنه لا يزال على قيد الحياة، وأنه يسعى إلى العودة بقوة إلى الساحة السياسية، كما يقول بيرتس، أو أن هذه المشاركة ستكون «الشهقة» الأخيرة قبل الإعلان عن وفاة دراماتيكية لهذا الحزب. younis898@yahoo.com
مشاركة :