بيروت - الوكالات: أقرَّت الحكومة اللبنانية أمس خطة إنقاذ اقتصادية طال انتظارها، وتأمل على أساسها إقناع المجتمع الدولي بمساعدة لبنان على الخروج من دوامة انهيار مالي فاقمته تدابير وقاية مشددة لمواجهة وباء كوفيد-19. وأورد حساب الرئاسة في تغريدة مقتضبة على حسابه على «تويتر»، «مجلس الوزراء وافق بالإجماع على الخطة الاقتصادية بعد إدخال تعديلات طفيفة على الصيغة المقترحة» من دون أي تفاصيل إضافية، على أن يلقي رئيس الحكومة حسان دياب كلمة عصرًا. وجاء إقرار الخطة بعد ثلاثة أيام متتالية نزل خلالها مئات المتظاهرين إلى الشوارع احتجاجًا على غلاء المعيشة وفقدانهم مصادر رزقهم وغياب أي أفق حل للأزمة الاقتصادية، رافعين الصوت عاليًا ضد «الجوع». وحصلت مواجهات بينهم وبين وحدات من الجيش، خصوصًا في مدينة طرابلس شمالاً. ومنذ تشكيلها في بداية العام الحالي، تنكبُّ الحكومة برئاسة حسان دياب على وضع خطة إنقاذ اقتصادية تتضمن إصلاحات ضرورية وإعادة هيكلة الدين العام المتراكم. ووفق نسخة أولية من الخطة تمّ تسريبها قبل أسابيع وأثارت انتقادات كثيرة، تقدّر الحكومة حاجة لبنان اليوم إلى أكثر من 80 مليار دولار للخروج من الأزمة والنهوض بالاقتصاد، ضمنها ما بين 10 إلى 15 مليار دولار على شكل دعم خارجي خلال السنوات الخمس المقبلة. وتأمل الحكومة بإقناع المجتمع الدولي الذي اشترط عليها القيام بإصلاحات «سريعة وفعالة» لتقديم أي مساعدة مالية أبرزها 11 مليار دولار أقرّها مؤتمر «سيدر» في عام 2018 لهذا البلد الصغير المنهك بسنوات من الأزمات السياسية المتتالية وعقود من الفساد. في مستهل جلسة الحكومة اعتبر دياب أنه «بإقرار الخطة الاقتصادية نكون قد وضعنا القطار على السكة، وقد أشبعناها درسًا لأنها ستحدد مسار الدولة لإصلاح الواقع».واعتبر أن أهميتها أنها «عمليّة وتتضمن رؤية اقتصادية لمستقبل لبنان»، بينما قال رئيس الجمهورية «اليوم هو يوم تاريخي للبنان لأنه للمرة الأولى تُقر خطة اقتصادية مالية». والأزمة الاقتصادية الحالية تُعد الأسوأ منذ الحرب الأهلية «1975-1990»، وهي وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية. ويعدّ لبنان من أكثر الدول مديونية في العالم، وتبلغ قيمة ديونه 92 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 170 في المئة من ناتجه المحلّي. وفي مارس، أعلنت الحكومة التوقف عن سداد الديون الخارجية في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين هدفها حماية احتياطات البلاد من العملة الأجنبية التي تراجعت خلال الأشهر الماضية بشكل كبير. وبدأت معالم الانهيار الاقتصادي بالظهور في لبنان منذ صيف عام 2019. مع بروز سوق موازية لسعر صرف الليرة اللبنانية وشح الدولار، ما دفع بمئات آلاف اللبنانيين إلى النزول إلى الشارع لأشهر عدة رافعين الصوت ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحملونها مسؤولية أزمتهم المعيشية. وأطاحت التظاهرات بالحكومة السابقة. وهدأت التحركات نسبيًا مع تشكيل حكومة دياب بداية العام الحالي لتقتصر على تحركات رمزيّة أطاحت بها إجراءات الوقاية من فيروس كورونا المستجد الذي تسبب بـ721 إصابة بينها 24 وفاة حتى الآن. وفاقمت تدابير الإغلاق العام في الوقت ذاته معاناة المواطنين. ومع تفاقم الشلل الاقتصادي، طفح كيل جزء كبير من اللبنانيين بسبب تراجع قدرتهم الشرائية بعدما سجلت الليرة اللبنانية بداية الأسبوع الحالي انخفاضًا قياسيًا جديدًا في السوق السوداء لتتخطى عتبة أربعة آلاف مقابل الدولار، تزامنًا مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 55 في المئة، بحسب وبات 45 في المئة من اللبنانيين، بحسب تقديرات رسمية، يرزحون حاليًا تحت خط الفقر، بعدما خسر عشرات الآلاف مورد رزقهم أو جزءًا من رواتبهم خلال الأشهر الستة الماضية. وعاد مئات الشبان إلى الشارع منذ الإثنين، واشتبك العشرات منهم مع الجيش في مدينة طرابلس، في مواجهات تكررت ثلاث ليال متتالية رشق خلاها المحتجون القوى الأمنية بالحجارة وقنابل المولوتوف اليدوية. وردّ الجيش باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. وأسفرت المواجهات ليل الأربعاء، وفق الوكالة الوطنية للإعلام، عن إصابة 42 شخصًا بجروح بينهم 19 عسكريًا، بعد مقتل شاب وجرح العشرات منذ ليل الإثنين. في مدينة صيدا (جنوب) كما في طرابلس وبيروت وبلدات أخرى، يصبّ المتظاهرون غضبهم على المصارف نتيجة الإجراءات المشددة التي تفرضها على سحب الودائع. وعمد بعض المحتجين إلى تكسير واجهات مصارف عدة أو إلقاء قنابل مولوتوف عليها.
مشاركة :