د. ناجي صادق شراب تعود القومية من جديد في أشكال متعددة من الشعبوية والعنصرية، وتعبر عن نفسها في صور كثيرة؛ تؤدي إلى انهيار الديموقراطية، وانتشار ظاهرة العنف والكراهية. ومفهوم القومية يحمل مفاهيم غير مقبولة؛ إذ تشير الكلمة في معناها العام للعنف العرقي، وتقف وراء العديد من الحروب التي أريقت فيها دماء الملايين من البشر الأبرياء. كما تحمل معنى الأيديولوجية الخطرة التي تقف وراء موجات الإرهاب التي أصابت الكثير من الدول. والبعض يعترف بفضائل الوطنية والانتماء للوطن، والبعض الآخر ينظر إليها من منظور غير أخلاقي، ويرى أنها تعني الولاء الأعمى لجماعات إثنية معينة أو لدولة على حساب مبادئ العدالة الإنسانية العامة.إن الشعبوية الجديدة - القديمة في الغرب، تحاول التمسك بعباءة القومية، واعدة بالدفاع عن مصالح الأغلبية ضد الأقليات المهاجرة، وهناك من يميز بين الوطنية والقومية، وإن كانت الوطنية تحتضن كل أشكل القومية. هذا وقد تعددت صور القومية الليبرالية التي ازدهرت في الغرب، والماركسية في روسيا، والنازية في ألمانيا، واليوم تبرز صور جديدة من القومية الفارسية والتركية والكردية واليهودية. ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي تحول العالم إلى «دول أمم»، واليوم في طريقه إلى «أمم دول». وباستثناءات قليلة اليوم الكل بات قومياً في العالم. والسؤال من أين جاءت القومية ؟ ولماذا تحظى بهذه الشعبية؟ تعود جذور القومية إلى أوروبا الحديثة؛ إذ اتسمت العلاقات الأوروبية من القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر بالحروب الكثيفة. ومع نهاية القرن الثامن عشر؛ برزت مؤسسات سياسية مثل: الكنائس، ومؤسسات المجتمع المدني، وأدت الحروب إلى فرض الحكام ضرائب على مواطنيهم وشعوبهم، مما أدى إلى زيادة دور العامة في المؤسسة العسكرية، وزيادة المطالبة بالمشاركة السياسية والمساواة أمام القانون. وفي النهاية ظهرت الحاجة إلى عقد جديد بين الحاكم والمحكوم، بموجبه يحكم الحاكم بما فيه مصلحة المحكومين.وفي داخل هذا العقد بداية ظهور الولاء القومي أو الولاء للأمة، ويعني أن الطرفين الحاكم والمحكوم ينتميان إلى نفس الأمة، وينحدران من أصول تاريخية مشتركة، ومستقبل مشترك. وساعد في ذلك أن نموذج الدولة القومية القوية أصبح أكثر جاذبية من الإمبراطوريات والممالك القديمة. وسمحت الدولة (الأمة) للحكام بفرض مزيد من الضرائب، لتصبح قادرة على مواجهة الإمبراطوريات على أرض وساحات الحرب. وباسم الأمة ومصالحها والمحافظة عليها؛ تمت زيادة التجنيد والإقبال عليه، وكسبت هذه الدول ما بين 70 إلى 90 في المئة من حروبها على الإمبراطوريات في الفترة من 1816 إلى 2001، وشكلت هذه الدول نواة النظام الدولي. ويرى أنصار القومية أن الدول التي يحكمها العقد القومي بين الحاكم والمحكوم، يصبح فيها الشعب أكثر ارتباطاً مع فكرة أن الأمة امتداد للأسرة، وأن المواطنين تصبح لديهم رؤية قومية نحو العالم، وهذا يؤسس للقومية الإيجابية، وإحدى هذه الفوائد والإيجابيات الديموقراطية التي ازدهرت ونمت؛ حيث تغلبت وانتصرت على الولاءات الضيقة الإثنية والدينية، وقدمت إجابة عن التساؤل من هو الشعب الذي باسمه ينبغي أن تحكم الحكومة. إن هذه العلاقة أصبحت حتمية بين القومية والديموقراطية في صورتها الإيجابية، وأسست لعلاقة التدرج في الحقوق بين المواطنين والأجانب، باعتبارها تهدف إلى تشجيع المساواة داخل الأمة نفسها؛ حيث يسود مبدأ أو أيديولوجية أن الشعب يمثل جسداً واحداً من دون خلافات، وأن كل المواطنين يتساوون أمام القانون، وعليه يرى أنصار القومية الإيجابية أن القومية أدخلت علاقة ورؤية جديدة مع المساواة.. ويضيفون أيضاً أن فكرة الدولة القومية؛ ساهمت في بروز فكرة دولة الرفاهية، والمشاركة الشعبية والمساءلة السياسية. وعلى الرغم من ذلك نرى اليوم صوراً معاكسة من القومية السلبية الهادفة إلى تحقيق مصالح سياسية وانتخابية، ورأينا العديد من القرارات لتقييد الهجرة ومنعها. ونراها اليوم في قانون القومية اليهودية، لتأتي «الكورونا» وتعمق من هذا الصراع الجديد في العلاقات الداخلية والعلاقات بين الدول، وهي المرحلة التي قد تسود ما بعد الكورونا. drnagishurrab@gmail.com
مشاركة :