هذه مجموعة متنوعة من الخواطر الرمضانية ذات القيمة الإيمانية والفائدة العلمية بقلم الأستاذ الدكتور وليد مُحمَّد عبدالله العَلِيّ أُستاذ الشَّريعة والدِّراسات الإسلاميَّة بجامعة الكويت وإمـام وخـطـيـب المـســجــد الكــــبــــيــــر بدولــــة الكويت. w-alali@hotmail.com مشهد التقصير إذا بلغ العبد مشهد التَّقصير: علم أنَّه لو اجتهد في القيام بالأمر غاية الاجتهاد؛ وبذل فيه وُسعه: فهُو مُقصِّر، وحقُّ الله سُبحانه عليه أعظم، وأنَّ الذي ينبغي له أن يُقابِل به مولاه من الطَّاعة والعُبُوديَّة والخدمة: فوق ذلك بكثيرٍ، وأنَّ عظمة الله سُبحانه وجلاله تقتضي من العُبوديَّة ما يليق بها، واعتبر بهذا المثال: وهُو ما عليه خدم المُلوك وعبيدهم، فهُم يُعاملونهم في خدمتهم بالإجلال لهم والتَّعظيم والاحترام والتَّوقير والحياء والمهابة والخشية والنُّصح؛ بحيث يُفرِّغُون قُلوبهم وجوارحهم لخدمتهم، أفلا يكون مالك المُلوك؛ وربُّ السَّماوات والأرض: أولى أن يُعامل بذلك؛ بل حقُّه أن يُعامل بأضعاف ذلك، فإذا شهد العبد من نفسه أنَّه لم يُوفِّ ربَّه في عُبوديَّته حقَّه؛ ولا قريباً من حقِّه: علم تقصيره، ولم يَسَعْه مع ذلك غير الاستغفار والاعتذار من تقصيره وتفريطه؛ وعدم القيام بما ينبغي له من حقِّه، وأنَّ حاجته إلى أن يغفر الله تعالى له تقصيره في العُبوديَّة؛ ويعفو عن تفريطه فيها: أشدَّ من أن يطلب من الله تعالى على عُبوديَّته ثواباً، لأنَّ العبد لو وفَّى العُبوديَّة حقَّها كما ينبغي: لكانت مُستحقَّة عليه ومُفترضة؛ بمُقتضى عُبوديَّته لله تبارك وتعالى وكون هذا العبد مملوكاً لله سُبحانه. إنَّ عمل العبد وقيامه بشُؤون سيِّده: مُستحَقٌّ عليه بحُكم كونه عبده ومملوكه، فلو طلب منه الأُجرة على عمله وخدمته: لعدَّه النَّاس أحمق وأخرق، هذا وليس هُو عبد هذا الرَّجل ولا مملوك هذا السيد على الحقيقة، بينما هو عبد الله ومملوكه على الحقيقة من كُلِّ وجهٍ، فعمل العبد وقيامه بحقوقه: مُستحَقٌّ عليه بحُكم كونه عبده، فإذا أثابه عليه: كان ذلك مُجرَّد فضلٍ مِنْه ومنَّةٍ عليه وإحسانٍ إليه لا يستحقُّه العبد، ومن ههنا يُفهم معنى قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (لن يدخل أحدٌ منكم الجنَّة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضلٍ). فأدنى نعم الله تعالى على عبده لو وُضعت في إحدى كفَّتَيِ الميزان؛ ووُضعت جميع أعمال العبد الصَّالحة في الكفَّة الثَّانية: لثقلت كفَّة النِّعمة؛ وطاشت كفَّة الأعمال. وإذا ضُمَّ هذا الحديث الشَّريف إلى قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾: تبيَّن أنَّ المقصود بنفي دُخول الجنَّة بالعمل: هُو نَفْي دُخول الجنَّة عِوَضاً عن العمل المُجرَّد عن القبول، والمقصود بإثبات دُخول الجنَّة بالعمل: هُو إثبات دُخول الجنَّة بسبب العمل الذي قبله الله تعالى برحمةٍ منه وفضلٍ. فالعمل الصَّالح –الذي ابتغى به العامل وجه الله تعالى؛ واتَّبع فيه هَدْي رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم- كان سبباً: لإدراك رحمة الله تعالى للعامل؛ وبُلوغ فضل الرَّبِّ بقبول العمل، فكان دُخول الجنَّة في الحقيقة: برحمةٍ من الله تعالى وفضلٍ، وكان العمل الصَّالح سبباً لذلك. لذا قال أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: (يُخرج للعبد يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوانٌ فيه حسناته، وديوانٌ فيه سيِّئاته، وديوانُ النِّعم التي أنعم الله عليه بها، فيقول الرَّبُّ تعالى لنعمه: خُذي حقَّكِ من حسنات عبدي. فيقوم أصغرها فتستنفد حسناته كُلَّها، ثُمَّ تقول: وعزَّتِك؛ ما استوفيت حقِّي بَعْدُ. فإذا أراد الله أن يرحم عبده: وَهَبَه نعمه عليه، وغفر له سيِّئاته، وضاعف له حسناته).
مشاركة :