يرفض الأمريكيون الانضمام إلى أي مؤسسة عالمية إلا بشرط أن تكون لهم الكلمة الفصل فيها وهذا هو حالهم مع بنك استثمارات البنى الأساسية الآسيوي الذي أنشأته الصين وصار عدد الدول المنضمة لعضويته 57 دولة وتنظر إليه واشنطن بعين الريبة. وقد سخر مدير تنفيذي في واحدة من الشركات الأمريكية العاملة في الصين من فكرة قيادة الصين لمؤسسة عالمية قائلا إنها ليس لديها أدنى فكرة عن إدارة هذا النوع من المؤسسات. ويتهم معارضو الفكرة البنك بأنه سوف يقدم قروضه للديكتاتوريات في آسيا ويمول مشاريع تفسد البيئة وحكومات تنتهك حقوق الإنسان. وكأن المؤسسات الغربية بريئة من كل هذه الممارسات. لكن البنك الجديد على ما يبدو سيثبت أنه مختلف تماماً عن الصورة النمطية التي تحاول الولايات المتحدة ترويجها. وأقل الممكن الذي يتوقع من هذا البنك هو تجاوز المعايير البغيضة للمؤسسات القائمة حالياً مثل البنك الدولي وصندوق النقد. ومع وجود 57 دولة في عضويته منها دول أوروبية وازنة مثل بريطانيا وألمانيا والسويد، يتطور مشروعه بسرعة وقد ينتهي إلى مؤسسة أكثر تطوراً مما تصورت بكين. وقد اجتمعت وفود الدول الأعضاء في سنغافورة مؤخراً لوضع مسودة أولية لصيغة الاتفاقية. وتبين أن مساهمة الصين المتهمة بأنها لا تعرف الكثير عن هذا الموضوع، مع دول أوروبية عريقة في مجال وضع معايير الأمن والسلامة المصرفية، قد أعطت المشروع دفعاً قوياً نحو انطلاقة واعدة. وسوف يحدد رأس مال البنك مبدئياً بنحو 100 مليار دولار أي ضعف المبلغ المقترح أساساً. وهذا يجعل من بنك استثمارات البنى الأساسية الآسيوية نداً قوياً لبنك التنمية الآسيوي ومقره طوكيو، والذي مضى على إنشائه خمسون عاما وبلغ رأسماله 150 مليار دولار. وستكون حصة الصين من تمويل البنك الجديد هي الأكبر ربما 25٪، تليها حصة الهند ثم روسيا فألمانيا واستراليا وإندونيسيا. وهذا يعني أن نسبة 75٪ من رأسمال البنك وحقوق التصويت فيه ستكون لآسيا. وتشير الدلائل الأولية الى أن الصين لا ترغب في امتلاك حق النقض على قرارات البنك. ويتخذ البنك من بكين مقرا له. أما مجلس إدارته فغير مقيم وإنما يعقد اجتماعات دورية في العاصمة الصينية ويتواصل عبر مؤتمرات الفيديو. وللوهلة الأولى يزيل هذا الترتيب الشكوك المتعلقة بصرامة القوانين التنظيمية الخاصة بعمليات الإشراف والتي ستكون أرحم من مثيلاتها في البنك الدولي الذي يجب أن يصادق مجلس إدارته المقيم على كافة القروض. وينظر الكثيرون إلى مجلس إدارة البنك الدولي على أنه يكلف البنك مبالغ طائلة تصل إلى 75 مليون دولار سنوياً وأنه مترهل. ويقول ديفيد دولار المدير السابق في البنك الدولي الذي عين مستشاراً لبنك استثمارات البنى الأساسية الآسيوي إن البنك الدولي صار بطيئاً جداً ومحفوفاً بالمخاطر لدرجة أن الكثير من الحكومات أوقفت التعامل معه في مجال تمويل مشاريع البنى الأساسية. ويستشهد بقول مسؤول هندي له ذات يوم: سيد دولار إن لقاء بيروقراطية الهند وبيروقراطية البنك الدولي كفيل بقتل كل شيء. ويأمل دولار أن يجمع البنك الآسيوي الجديد أفضل ما في المؤسسات المالية العالمية بحيث يضمن سرعة تنفيذ القرارات وسهولة التعامل مع عملائه من الدول الآسيوية المتحمسة لفكرة إنشائه. وفي حال تم تكليف إن جين ليكون وكيل وزارة المالية الصيني المخضرم بمنصب رئيس البنك فهذا يعني أنه سيضم نخبة من التكنوقراط. ولن تكون مهمة إدارة البنك سهلة خاصة مع اتساع دائرة عضويته لتشمل دولاً أوروبية، ما يعني أن سداً في مينامار أو طريقاً سريعاً في إندونيسيا مثلاً،سيخضع لإشراف خبرات ألمانية أو بريطانية. وتتعمد الصين من خلال توسيع دائرة تشكيل عضوية البنك القول إنها تخلت عن دبلوماسيتها الفجة التي تثير حفيظة بعض الدول. ويمكن الحكم على تجربة البنك بأنها ناجحة قبل أن تبدأ. فقد أطلق شرارة حرب البنى الأساسية. فقد أعلن مصدر في بنك التنمية الآسيوي في طوكيو أن البنك سوف يراجع إجراءات ومعايير عمل البنك الجديد عله يتمكن من تسريع إجراءاته. وعشية اجتماع سنغافورة، أعلن رئيس الوزراء الياباني عن ضخ 110 مليارات دولار في بنك التنمية مخصصة لمشاريع البنى الأساسية في آسيا على مدار السنوات الخمس المقبلة. وسوف تمنح قروضها حسب قوله، بشروط أفضل من شروط بنك استثمارات البنى الأساسية الآسيوي. ولا تزال واشنطن وطوكيو مُصرّتين على محاربة المولود الجديد، الذي إذا ما تمكن من تحقيق طموحات مؤسسيه المعلنة فسوف يجبر الأمريكيين واليابانيين على الإلحاح في طلب عضويته.
مشاركة :