عامان مرا على رحيل خالد محيى الدين الرمز والنموذج

  • 5/7/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أمس ٦ مايو ٢٠٢٠، مر عامان على رحيل الفارس والزعيم الوطنى المصرى خالد محيى الدين، فبرحيله فى مثل هذا اليوم عام ٢٠١٨، فقدت الحركة الوطنية المصرية والعربية وقوى التقدم والسلام فى ‏العالم، رمزًا من رموز النضال الوطنى والديمقراطى من أجل الحرية والمساواة والعدالة ‏الاجتماعية، فالراحل الكبير انضم منذ شبابه لكتيبة الضباط الأحرار الذين قادو ثورة يوليو ٥٢ ‏للتخلص من تحالف الاحتلال الأجنبى والملك والإقطاع، كتحالف للفساد والاستغلال الاجتماعى ‏الذى ترك مصر تحت ثلاثية الفقر والجهل والمرض، ومنع إمكانيات تحررها وتقدمها، وكان ‏الراحل الكبير على الرغم من انتمائه لعائلة من الفئات الغنية من ملاك الأرض؛ إلا أنه انتمى ‏فكريًا لطموحات العدل الاجتماعى فصار مدافعًا صادقًا عن حقوق العمال والفلاحين وأبنائهم فى ‏العمل والتعليم والعلاج والترقى الاجتماعي.‏دمج الراحل الكبير خالد محيى الدين دائمًا فى فكره ونضاله بين ضرورات التحرر الوطنى ‏واستقلال الإرادة الوطنية وضرورات التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، فكان مناضلا ‏صلبًا- أيًا كان موقعه فى السلطة أو خارجها- ضد مؤامرات الاستعمار والصهيونية، وضد ‏خططها لتفتيت وتفكيك جبهة النضال العربية ضد الاحتلال الصهيونى للأراضى العربية، ومن ‏هذا المنطلق رفض بصلابة زيارة السادات القدس وما ترتب عليها من اتفاقيات كامب ديفيد ‏ومعاهدة السلام مفرقًا بين السلام ومتطلباته وأدوات تحقيقه والحلول الانفرادية التى اعتبرها ‏فى حينها دعوة للحرب والانفراد بكل دولة عربية على حدة وليست دعوة للسلام.‏ودمج الراحل الكبير بين رفضه العدوان الخارجى على مصر والوطن العربى ورفضه الاستغلال ‏وبرامج التمييز الاجتماعى والتفاوت فى توزيع الدخل القومى والثروة القومية داخليًا، ومن هذا ‏المنطلق رفض سياسات الانفتاح الاقتصادى- ليس لأنه فقط انفتاح سداح مداح- بل لأنه كذلك ‏إعادة إنتاج للفئات الطفيلية التى تثرى على حساب غالبية الفئات والقوى الاجتماعية، بما ‏ينتجه من إطلاق لقوانين السوق وانسحاب الدولة من دورها التنموى الاقتصادى ومن دورها ‏الاجتماعي، وبما ينتجه من تضخم وبطالة وتطرف وعنف وإرهاب، وطرح فى مواجهة تلك ‏السياسات حزمة من السياسات التى تقوم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعادة توزيع ‏الثروة لمواجهة الفقر والجهل والمرض وبناء قواعد العدالة الاجتماعية.‏لكن مأثرة خالد محيى الدين الكبرى- ومآثره كثيرة- ليست فقط ما هو مشهور عنه بأنه ‏فارس الديموقراطية، وهو كذلك، فقد تمسك بالديموقراطية وهو فى السلطة، وكان يمكنه ‏الصمت حفاظًا على موقعه فوق كراسى الحكم، وتمسك بالديموقراطية وهو رئيس لحزب ‏التجمع وآثر أن يؤسس ويطبق على نفسه المادة الثامنة التى تمنع أى قيادى من الاستمرار فى ‏موقعه لأكثر من دورتين متتاليتين، وطبقها على نفسه، وأصبح عضوًا بالحزب- بمرتبة ‏مؤسس وزعيم ورئيس للمجلس الاستشارى- يحضر الاجتماعات الحزبية تحت رئاسة رئيس ‏غيره، ويطلب الكلمة للحديث مثل أى عضو آخر.‏إن المأثرة الكبرى لخالد محيى الدين أنه أسس لطريقة فى العمل السياسى- معارضًا أو مؤيدا- تجمع بين القيم السياسية الرفيعة والمواقف الحاسمة، فلم يعرف عنه أبدًا إلا استخدامه الألفاظ المنتقاة فى معارضته الموضوعية، فلا استخدام لألفاظ حادة أو جارحة أو مهينة مهما ‏كانت حدة الموقف، ولا معارضة لأسباب شخصية، ولا شخصنة للخلاف فى الرأي، فقد يعلن ‏أنه يعارض رأى ويعارض سياسات وإجراءات حكومية، فلا خصومة له مع أشخاص أيًا كان ‏موقعهم، فقد كان يهتم بمعارضة أو رفض الموضوع، ويهمه أكثر كسب مؤيدين لهذا الرأى لا ‏مجرد تسجيل موقف.‏هذه بالطبع مأثرة كبرى، لكن خالد محيى الدين بشخصيته الآسرة وعلاقاته بقامات وزعامات ‏القوى التقدمية واليسارية من مدارس فكرية متنوعة، تجتمع على قضايا العدل الاجتماعى ‏والديموقراطية والتحرر والاستقلال الوطني، قدم مأثرته الكبرى فى بناء وتأسيس حزب تقدمى ‏من طراز جديد، هو حزب التجمع، والراحل الكبير لا يجادل أحد فى أنه مؤسسه، فقد تمكن خالد ‏محيى الدين من تأسيس نموذج جديد لحزب تقدمى من طراز جديد، حزب لا ينطلق من منبع ‏فكرى واحد، بل يتكون من فصائل وطنية وتقدمية متنوعة فى منابعها الفكرية والإيديولوجية، ‏ويجمع بينها البرنامج العام والبرنامج السياسى فى توجهاته الوطنية والديمقراطية ‏والاجتماعية، وتمكن خالد محيى الدين انطلاقًا من هذا التوجه من حشد طاقات جبارة وهيئات ‏سياسية ونقابية عمالية وفلاحية ومن فئات الطبقة الوسطى ظلت هى الزاد الأساسى لمواجهة ‏الأعاصير التى أحاطت بحزب التجمع فى المراحل السياسية المتعددة، إن النموذج الذى قدمه ‏خالد محيى الدين لحزب من طراز جديد، لم يعد ملكًا لحزب التجمع وحده، بل لكل قوى التقدم ‏والاشتراكية والتحرر الوطني، وبالفعل تكررت تجربة حزب التجمع كحزب من منابع فكرية ‏متنوعة فى عدد كبير من بلدان العالم.‏وسيظل خالد محيى الدين نموذجًا يحتذى، ورمزًا تفتخر به القوى الوطنية والتقدمية وكل فئات ‏الأمة المصرية والعربية، وستبقى معنا أفكاره وسيرته العطرة وكتاباته الفكرية والسياسية ‏ومن أهمها: والآن أتكلم، ومستقبل الديموقراطية فى مصر، والاشتراكية والدين، وسيظل ‏يذكره كل من زامله أو عمل معه فى الحزب وفى جريدة المساء ومؤسسة أخبار اليوم ونقابة ‏الصحفيين، وكل من تسمى باسمه سوف يظل معتزًا ومتفاخرًا بأن والده قد سماه خالدا، على ‏اسم خالد محيى الدين.‏ولن نبالغ إذا استعرنا أبيات صلاح جاهين وقلنا: ‏على اسم خالد، التاريخ يقدر يقول ما شاء.‏

مشاركة :