لن تجني من الشوك العنب

  • 5/8/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أيقنت أنّ الورد لا ينبت إلا وردًا، وأنّ الشوك لا ينبت إلا شوكًا، وأنك لا تجني من الشوك العنب، وأن سهام العداوة والكراهية والبغضاء مشرعة في دنيا مليئة بالصراعات، وتسير بمبدأ القوي صاحب النفوذ والزيف والتملق لمن علاه، تمشي أمورهم، و لا مكان فيها لضعيف مهيض الجناح، ليس له سند ولا هو باذل ماء عزته، وهنالك أناس أفسدوا علينا حياتنا وملؤوها ظلمًا وجورًا، وأوردونا المرارة نتجرعها كل وقت وآن، ولم يبق لنا هواء عليل نستنشقه، فقد سروا في مجتمعنا حتى أطبقوا على أنفاسنا ، و يساء إلينا ونحن نشكر ونجامل في أي مبدأ وموقف، هذا هو الهوان والذل قد ضرب علينا حتى ألفناه ، فأصبحنا نتمرغ في كل يوم، نسأل الله أن يخلصنا مما ألمّ بنا، ولكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، من هوان وعجز قد أورد الأمة موارد الذل والهوان، فلا بد من وقفة قوية حازمة في وجه الظالمين حتى يرتدعوا ويرجعوا عن غيهم ، و تعود الأمور إلى نصابها، وتعود الأمة أمةً قويةً عزيزةً ليس فيها مرض العصر، و لا نفاق ينغص علينا حلو الحياة وجمالها ، وينقشع ظلام الضلال الذي قضّ مضاجعنا وجعلنا في سبات عميق، لا نفقه شيئا سوى المجاملات الزائفة. و يحضرني في هذا المقال رواية الكاتب المسرحي الفرنسي موليير والتي بعنوان :(عدو المجتمع)، فقد ذكر فيها أن الشخص الصادق يكون صريحا مع ذاته قبل أن يكون صريحًا مع الآخرين، لأنه لاحظ تفشي أشكال النفاق الاجتماعي والتملق وغيرها من أشكال التسلق والوصولية، لأنه إذا ازدهر النفاق في المجتمعات صار الصريح عدوًّا للآخرين، وأصبح مغتربا ليس عن مجتمعه فقط، ولكن عن الذات نفسها. ولعل هذا ما لاحظه مفكرو عصر التنوير أمثال المصلح الاجتماعي الفرنسي جان جاك روسو، و الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط عن حقيقة أن يكون الإنسان ذاته، وأن يلتزم القانون الأخلاقي الذي يبعدنا عن جميع أشكال الزيف والنفاق الاجتماعي الذي يقود بالضرورة إلى التخلف. ولعل هذا ما يحمل المرء المخلص الصادق مع الذات أن ينزوي و ينسحب من الحياة الاجتماعية التي لا مجال فيها إلا للأقوياء في عالم منطقه الماديات البحتة التي أدت بنا إلى نفق مظلم لا ينجلي إلا بصبح يقشع ظلامًا دامسًا، إلا من بصيص أمل يشرق فيطهر هذه الدنيا التي مُلئت جورًا ونفاقًا، وجرتنا إلى قيعان من التأخر والتقهقر. فالظلم مرتعه وخيم،وقد أصبحنا في مجتمعات كلها نفاق وكذب وتدليس لا تعرف الصادق من الكاذب، فقد اختلط الحابل بالنابل. وقد قال الشاعر تولت بهجة الدنيا * فكلّ جديدها خلِقُ وخان الناس كلهمو * فلا أدري بمن أثقُ وهذا كله لأننا ابتعدنا عن الدين الحنيف والقيم السمحة وشيم العرب، فقد طغت نفوسنا علينا وتركنا لها الحبل على الغارب، ولم نكمل فضائلها، وقد قال الشاعر: أقبل على النفس واستكمل فضائلها * فأنت بالروح لا بالجسم إنسان لم نربِ أنفسنا تربية روحية سليمة ، فقد أصبحت خاوية من الجمال، وقد قال الشاعر: أيها الشاكي وما بك داء كن جميلا تر الوجود جميلا والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا. والله جميل يحب الجمال. وقد سبق غيرنا بعدل التمسوه وطبقوه وجعلوه شعارًا لهم. أما نحن ففي تأخر دائم ابتلينا به في زماننا هذا، لا نفقه إلا قليلا، ولعلمنا بأن الله علام الغيوب قادر على كل شيء، منصف المظلوم من الظالم، والضعيف من القوي، ولنا في رسول أسوة حسنة في تطبيق مبدأ العدالة والمساواة بين الناس.ولعل هذا يدعونا للرجوع لتطبيق الأخلاق الإسلامية والالتزام بقيم العقلانية التي تجعلنا نتجاوز هذه المفارقة الأخلاقية التي تكمن بين المفاهيم النظرية والممارسات الفعلية في أرض الواقع.

مشاركة :