نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أمس مقالاً ليوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن هذا نصه:إنه تناقض صارخ وخطير ، فدولة قطر تستثمر مليارات الدولارات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ثم تعيد تدوير أرباح تلك الاستثمارات لدعم حماس والإخوان المسلمين وجماعات أخرى مرتبطة بالقاعدة. ودولة قطر تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية توجه واشنطن منها حربها ضد الإرهاب، وفي نفس الوقت تملك شبكات إعلامية مسؤولة عن تحريض العديد من تلك الحركات المتطرفة.فعندما اتخذت الإمارات العربية المتحدة ودول المنطقة المتوافقة معها في التفكير والمنهج خطوة قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر الأسبوع الماضي، لم تكن تلك الخطوة متسرعة ولم تأت من فراغ. بل إنها نتيجة تراكمات سنوات من السلوك القطري المحير الذي يسفر عن تهديدات مباشرة للولايات المتحدة والإمارات وحتى قطر نفسها. وعندما تزرع قطر الشوك فلن تحصد العنب.وقد أوضح الرئيس دونالد ترامب ذلك بجلاء يوم الجمعة عندما قال: «حان الوقت لدعوة قطر لوقف تمويلها للتطرف. نحن نريد أن تنضم قطر مجدداً لمجموعة الدول المسؤولة».لهذا لا يمكن لقطر أن تستمر على معاييرها المزدوجة. ويجب عليها أن تقرر الآن ما إذا كانت ستقف «بكليتها» في صف محاربة التطرف والعدوان.وعلى مدى سنوات قدمت قطر الدعم والملاذ للمتطرفين. ففي منتصف عقد التسعينات آوت ورعت الإرهابي خالد شيخ محمد الذي أصبح فيما بعد واحداً من أهم المتآمرين في شن هجمات الحادي عشر من سبتمبر. واليوم تؤوي قطر وتشجع يوسف القرضاوي زعيم الدعاة الإخوان وخالد مشعل زعيم حركة حماس المصنفة حركة إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية.وقد أدرجت الإمارات ودول أخرى القرضاوي و58 شخصية و12 منظمة على قوائم الإرهاب باعتبارها تقدم دعماً مادياً ملموساً للإرهابيين. والعديد من تلك الرموز يعيشون في قطر أو ينشطون على أراضيها أو يتلقون الدعم منها. وبعضهم مرتبط مباشرة بالأسرة الحاكمة. وهؤلاء غيض من فيض لأن قطر بالاشتراك مع إيران، تملك شبكة مالية هي الأكثر نشاطاً على مستوى العالم مكرسة لتمويل الإرهاب.وقد لاحظ مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» عام 2015 أنه: «على مدى سنوات تنقل جهاديون إسلاميون من ليبيا وسوريا بين بلادهم والدوحة حاملين حقائب مملوءة بالأموال». وتقدم الدوحة الدعم المالي واللوجستي لجبهة النصرة (تعرف اليوم باسم جبهة تحرير الشام) وهي الفرع السوري من تنظيم القاعدة. وقد تبين أن الانتحاري الذي فجر نفسه في مانشيستر مرتبط بفرع القاعدة في ليبيا الذي تدعمه قطر.ونقلت صحيفة «فاينانشال تايمز» خبراً جاء فيه أنه قبل شهرين دفعت قطر فدية لتحرير رهائن قطرية بلغت قيمتها مليار دولار لمجموعات إرهابية في سوريا والعراق خاضعة للعقوبات الدولية بمن فيها فرع حزب الله الإيراني. وفي مصر منحت قطر شيكاً على بياض لجماعة الأخوان المسلمين التي تعتبر منصة انطلاق معظم التنظيمات التي تمارس العنف.وفي الوقت الذي تركز الدول المسؤولة جهودها لمواجهة الراديكالية بكل أشكالها، تستمر ماكينة الإعلام القطرية وعلى رأسها قناة الجزيرة في تأجيج إثارة التعصب وأعمال العنف في العالم العربي.وكأننا نشاهد نسخة مقلوبة من برنامج «ذي ديلي شو»، فالشيخ القرضاوي استخدم برنامجه التلفزيوني لتشجيع فتاوى العمليات الانتحارية وفي نفس الوقت للدفاع عن قتل الجنود الأمريكيين في العراق من باب «الواجب الديني».وقد قال وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس في مايو/ايار: «تم إقناع الجنرال جون أبازيد أن قناة الجزيرة تعمل ضد قواتنا في العراق وهي عمليا تزود أعداءنا بالمعلومات. وهناك مخاوف -على نطاق واسع - من أن القناة باتت منصة للإرهابيين».وتكشف تعليقات غيتس الذي كان رئيس أركان الجيش الأمريكي خلال فترة إدارة جورج بوش الإبن وباراك أوباما، أن قطر تحولت إلى مصدر قلق مزمن في واشنطن لكلا الحزبين وللإدارات المتعاقبة. وإدارة بوش هي التي بدأت الجهود العملية لمكافحة تمويل الإرهاب. وخلصت إدارة أوباما عام 2016 إلى أن قطر تفتقر إلى الإرادة السياسية الحقيقية والقدرة العملية على تطبيق القوانين ضد تمويل الإرهاب. وقد فكر مسؤولون في إدارة أوباما أيضاً في سحب سرب المقاتلات الأمريكية من قاعدة العديد بسبب رفض قطر التحرك ضد شبكة تمويل الإرهاب.ولا شك أن قاعدة العديد مهمة لحماية مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تستمر الإجراءات الحالية ضد قطر فإن دولة الإمارات العربية المتحدة وأصدقاء الولايات المتحدة الآخرين سوف يستمرون في العمل مع الجيش الأمريكي لضمان عمل القاعدة بكل طاقتها القتالية. كما ترحب الإمارات بدور الولايات المتحدة في تسهيل الحل الدبلوماسي للأزمة الذي يسمح لقطر الجارة والحليف بالعودة لمجموعة الدول المسؤولة.ما الذي ينبغي على قطر فعله؟ يجب أولاً أن تقر بما تعرفه كل دول العالم وهو أن الدوحة أصبحت مركزاً لدعم التطرف مالياً وإعلامياً وأيديولوجيا. ثم عليها اتخاذ قرارات حاسمة لمعالجة مشكلة التطرف من جذورها دفعة واحدة بتجفيف منابع تمويل الإرهاب ووقف التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها ووقف حملات التحريض الإعلامي والراديكالي.وبعد أن انتشر الإرهابيون في المدن الأوروبية ويحيكون المؤامرات ضد أهداف في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يعد ممكنا التغاضي عن المواربة ولا بد من رفع الغطاء عن التهديد الذي يمثله التطرف واتخاذ القرارات الحاسمة دون تأخير.ولا يمكن لقطر أن تملك حصصاً في «إمباير ستيت» و«لندن شارد» وتستخدم عوائد تلك الاستثمارات في تحرير شيكات لفروع القاعدة. كما لا يمكنها نشر اسمها على قمصان فرق كرة القدم بينما تلمع شبكاتها الإعلامية ماركات الإرهاب. ولا يمكنها أن تكون مالكة لشركات مثل «هاروودز» و«تيفاني» بينما توفر الملاذ الآمن لحماس والإخوان المسلمين.
مشاركة :