عندما نريد التحديد فنحن أمام سجل يجمع بين دفتيه مجموعة من التراجم لرواد المسرح في مراحله الأولى وفيما تلاها حتى وقتنا هذا، التي ازدحمت بالأحداث الفنية، والاجتماعية، تخللت خلالها حياة المسرح العربي عامة والمصري خاصة، التي تسير بدافع من التطور المحتوم، وتكتسب أرضا جديدة بالوعي العربي، الذي لم يشغله فن التمثيل في الكثير أو القليل، فقد خرجت من تحت عباءة خشبته العديد من الفرق المختلفة، التي ساهمت بشكل كبير في خلق جيل واعٍ بالفنانين، والمخرجين، والكتاب، حتى أصبحوا رموزا للحركة المسرحية في مصر والوطن العربي."البوابة نيوز" تستكمل للعام الثاني على التوالي الباب الخاص بعنوان "فرق منسية" على مدى 30 ليلة من ليالي رمضان الكريم، الذي يلقي خلاله الضوء على عدد كبير من الفرق المسرحية المصرية والعربية على مر العصور، وتركت بصمة واضحة في تاريخ المسرح، وذلك من خلال تجاربهم الإبداعية الهادفة، فقد قدموا خلالها مواسم مسرحية حققت نجاحا كبيرا داخل مصر وخارجها، حتى توقف نشاط تلك الفرق عقب رحيل مؤسسيها، ولكن ظلت أعمالهم الفنية باقية وخالدة رغم رحيلهم.ذكر الدكتور سيد على إسماعيل في كتابه "تاريخ المسرح في العالم العربي" خلال القرن التاسع عشر، أن هناك إشارتان تفيد بتكوين فرقة جمعية الكمال بأسيوط، ونشاطها الفني، فتأتي الأولى مثلما وردت في مجلة "الأستاذ" في جزئها الرابع الصادر بتاريخ 22 نوفمبر 1892، تفيد بأن أسيوط بها الكثير من الصنائع التي أفنت بالمصنوعات الأجنبية، وذلك نظرا لشعور الناس ببهجتها دون النظر في قوتها، مما يترتب عليها فقر العديد من الوطنيين، وعندما رأى أصحاب هذه الحرف ضعف صناعتهم وتأخرها، فقد اجتمع فريق منهم برئاسة "السيد حسن سليمان" واتخذوا لهم محالا يجتمعون فيه ليلا ونهارا ولا أحد يمكنه الوصول إليهم، مخصصين أجزاء من أوقاتهم للعمل وممارسة القراءة وتعلم فن التمثيل، إلى جانب استحسان الروايات وإجادتها حتى ظهرأمرهم للناس فصاروا يذهبون لمشاهدتهم أثناء أشغالهم حتى دعاهم محمود بك خشبة إلى منزله في حضور المدير سعد الدين باشا، ورئيس محكمة أسيوط الأهلية، في تلك الفترة، فمثلوا رواية بعنوان "المعتمد بن عباد" وبدءوا الاحتفال بتلحين السلام الخديوي، وقد أبهروا عقول الحاضرين بما أبدوه من حسن أداءهم ولطف التلحين، وكأنهم تربوا في هذا الفن، وأبدى المدير سعد الدين باشا، إعجابه الشديد بهم وحثهم على استمرار العمل، حتى أتخذوا لهم محالا يمثلون فيه بداية من جمادى الأولى، وحبذا لو اقتدى الناس بمثل هؤلاء واجتمعوا سويا لإحياء صناعة أو اتخاذ حرفة غير ما كانوا فيه من خدمة أو صنعه، فرارا من الفقر وإظهارا لاقتدار الشرقيين على الأعمال ومجاورة الأوروبيين في إتقانهم وإبداعهم واشتغالهم بكل نافع ومفيد. فقد قدمت هذه الجمعية ثلاث روايات أظهر خلالها الكمال الإتقان وبراعة التمثيل ما أدهش الجمهور وهي "متريدات"، "ناكر الجميل"، "خليفة الصياد مع هارون الرشيد"، مثلما ورد في جريدة "المؤيد" في عددها الـ1000 بتاريخ 4 يونيو 1893 – حسب قول مؤلف الكتاب – وقد ألقى الشيخ محمد جودة خطابه الأنيق وكلماته الجياشة أثناء حضوره هذه الروايات، والذي افتتحها بالدعاء للخديو ووزراءه وقد أثنى على سعادة سعد الدين باشا مدير الغربية في تلك الفترة لما سعادته من الأيادي البيضاء وكذلك المساعي المشكورة أيضا في إعانة هذه الجمعية حين كان مديرا لأسيوط، كما أثنى أيضا على سعادة أحمد بك جودت مدير سوهاج في ذلك الفترة وعلى جميع الأعيان وكذلك الوجوه الذين أخذوا بنجاح هذا الجوق البارع.
مشاركة :