للخطاب سلطته المؤثرة في المتلقي قبولا أو رفضا أو تساؤلا أو حوارا، والبرامج التلفزيونية تنحاز لفكرة ما على يد من يعدها ويقدمها أو من يمنتجها ويسوقها، وبرنامج (على خطى العرب) الذي يعده ويقدمه الدكتور عيد اليحيى، وكنا في هذه الصحيفة من أوائل من احتفى به إعجابا بالفكرة وتوقيتها في زمن يعاني العربي فيه غربة الوجه واليد واللسان، وبصدق ما زلت معجبا بالفكرة وبمسرحة الأداء التي أجادها بحرفية الدكتور اليحيى، إلا أنني توقفت عند بعض طرحه الوثوقي أو الجازم بأن المواقع التي مر بها ورصدها هي بيئات الشعراء الذين ورد ذكرهم في البرنامج، وكنت أعجب من إصراره على الربط بين النص والموقع علما بأن جده لبيد بن ربيعة قال: «عفت الديار محلها»، فالطبيعة والتغير المناخي وعوامل التعرية تؤثر في طمس معالم الأمكنة، ثم إن الثابت أن أسماء المواقع في جزيرة العرب تتكرر من اليمن حتى طنجة ومرد ذلك بحسب الرواة أن المهاجرين من العرب الذين تنقلوا في البلاد بعد انهدام سد مأرب حملوا أسماء قراهم ومرابعهم معهم فالاسم متحرك شأن من حمله ومن سماه ومن تسمى به ولذا لا أرى مبررا للجزم بأن المواقع هي ذاتها مع احترامي لاجتهاد الدكتور اليحيى ومحاولاته للربط بين النص وبين الشاخص، مع العلم أنه من عادة الباحث الموضوعي أن يقول (ربما) فهي تؤمن خط الرجعة، وعندما دخل اليحيى قرية الفاو لم يتعرض لعراب الآثار في المملكة الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري بل ذهب يتحدث عن القرية وتاريخها متجاهلا دور هذا الآثاري العملاق، ولولا جهود الأنصاري لم أمكن اليحيى الحديث عن قرية تسمى الفاو، ولا أظنه تقصد جحود أدوار الداعمين اللوجستيين له إلا أن من لوازم الأمانة العلمية أن يورد الباحث كل من أسهم معه في التعريف بالمكان والزمان والوقوف على المواقع حتى وإن غلبته النرجسية وتصور أنه يمكن أن يمرر على الناس أنه لم يعول في برنامجه على أحد!! وما زلت أحسن الظن به وببرنامجه كثيرا وأشعر بالفخر والله يشهد، بقيت الجناية على اللغة العربية وما أشد الأذى على سمع عاشق اللغة حين يصله اللحن من قارئ القرآن أو من تال للشعر أو حتى نشرة الأخبار وكثيرا ما أردد (سامحك الله) وأنا أصغي لمتخصص في اللغة العربية ولا يتحرج من اللحن بل وتطويع اللفظ الفصيح للهجة دارجة بدعوى تقريبه للعوام؟ وأنا واثق أن اليحيى يدرك أنه ليس الراوية الجميل محمد علي الشرهان، فهو أكاديمي ونال الليسانس من جامعة الإمام في اللغة العربية ويقدم البرنامج من خلال قناة العربية التي يتابعها قرابة 500 مليون آدمي لسانهم عربي مبين، وبما أن (الزين ما يكمل) كما في المثل فإن البرنامج من أعرق ما قدمته القنوات العربية وهو زين على كل حال، والهنات التي أوردتها نابعة من احترام للدكتور اليحيى الذي يمكنه أن يشتغل على البرنامج مجددا بصيغة مغايرة ويستعين معه بالبشر لا بالتقنية فقط والمصحح اللغوي غير متعذر بل يمكن الدبلجة وإلقاء الأبيات بصوت إعلامي مميز بحجم صوت محمد الطميحي أو خالد مدخلي أو حتى تركي الدخيل مدير العربية وعاشق الأدب وصديق الأدباء.
مشاركة :