في معرض الشارقة للكتاب وأثناء حديثي مع د. عيد اليحيى مقدم برنامج "على خُطى العرب" وتحديداً في جناح قناة العربية كان الكثير من زائري المعرض يقاطعون حديثنا لمشاركة اليحيى إعجابهم ببرنامجه المميز، الشاعر كريم العراقي وصديقه المغترب بأميركا أكثر من لفتوا انتباهي باحتفائيتهم ببرنامج "على خُطى العرب" ومقدمه وكيف أعاد لهم هذا البرنامج الثقة بتاريخهم وعروبتهم. لا أبالغ بأنني اندهشت بهذا التهافت على برنامج يصنف ضمن البرامج الثقافية ونحن نعلم اهتمام غالبية العرب ببرامج الغناء والشعر ومواهب التمثيل، فالمعروف أن هذه النوعية من البرامج لا تخاطر القنوات الفضائية العربية باحتضانها، لأن الفكر الإعلامي العربي ارتكز على منظور البرامج السريعة وأحياناً التافهة، والنجومية في جذب المشاهد تنحصر فقط بمغن أو مغنية حتى لو كان تفكيرهم سطحياً!. عيد اليحيى السعودي المثقف درس في لندن وباريس ولم يكن مبتعثاً على حساب الدولة، كان يمارس جميع الأعمال ليوفر مصاريف جامعته ومصروفه، في رحلة عصامية بكل ما تعنيه الكلمة، وهذا الكفاح أكسبه مناعة وصموداً في مواجهة العديد من القنوات الفضائية التي لم تقتنع بفكرة برنامجه، حتى أن البعض لم يكلف نفسه الرد عليه، رغم أنه قدم فكرة برنامجه بصورة احترافية، ولكن هذا هو الواقع الحقيقي للأسف. لم ييأس وعمل حلقة ووضعها على اليوتيوب، الإقبال الكبير على مشاهدتها، دفع عبدالرحمن الراشد الإعلامي المتمرس أن يطلب مقابلته إبان توليه إدارة قناة العربية، أتيحت له الفرصة في قناة العربية وحقق ثورة في مقاييس المشاهدة للبرامج التي تتحدث بصورة تاريخية علمية، عكس نظريات أباطرة الإعلام والإعلان والتي تقول إن المشاهد لا يحبذ مثل هذه النوعية من البرامج المملة من وجهة نظرهم الضيقة. تحقيق اليحيى لشعبية كبيرة ونجاح لم يأت من فراغ إنما لأنه يقدم مشروعاً حضارياً ثقافياً وليس مجرد برنامج سرد تاريخي، عندما تتحدث معه بعيداً عن البرنامج تجده هو الموجود بخُطى العرب، العفوية والتلقائية والمعلومة أهم سماته، لم يركز على القشور ببرنامجه، لذلك نجح وحقق مكتسبات هامة جداً في انعكاساتها وأهدافها. حدثني قائلاً : إن الملك عبدالله -رحمه الله- أعجب بما قدمه من حلقات، لم يتاجر بهذا الشرف الكبير، عمل بصمت وأعطانا أبعاداً هامة لعلاقة العربي بتاريخه، بأرضه، بحضارته، بإنسانيته، ركز على الموروث الحضاري لأنه يعي أنها السبيل المهم في مواجهة الحضارة الغربية، بعد أن أصبح التأثر بما هو غربي نوعاً من التطور!. بدون مبالغة، لو كان عيد اليحيى غير سعودي لوجد المعايير والاحتفاء به مختلفاً، لأصبح من النجوم العرب الذين اعتدنا على رفعهم للسماء، ونتساهل باستمرار معهم حتى لو وجهوا سهام غدرهم وخيانتهم ضدنا، نجومية اليحيى صنعها بنفسه، أضاف للمنجز الحضاري السعودي برنامجاً يستحق أن نفتخر به وبقيمته الحضارية، أعطانا لحظات لنزهو بتاريخنا العربي من منظور حضاري وليس سرديا بالغناء على الأطلال كعادتنا. بالفعل عيد اليحيى تجربة سعودية تستحق الاحتفاء بها.
مشاركة :