لا يعلم الكثيرون أن مصطلح «هِشِّك بِشِّك» الذى يُطلق على الراقصات اللواتى يُمارسن الرقص الشرقى ليس نابعًا من السخرية أو التحقير كما يظن البعض، بل إن لهذا المصطلح أصولًا لغوية وتاريخية، تناولها الكثير من المستشرقين والباحثين في التاريخ الشرقى الحديث، خاصة في الفترة من القرن الثامن عشر وحتى بدايات القرن العشرين.وفى كتابها «الإمبريالية والهِشِّك بِشِّك- تاريخ الرقص الشرقى» تناولت الباحثة شذى يحيى الأصول اللغوية للكلمة، فـ"هِشِّك» و«هِشّتِك» بمعنى «هَزّ». يُقال في العامية «هَشِكْ العيِّل» أى «هِزّ الطفل». كما ورد في معاجم اللغة -في «المختار». القول «ناقة بَشكَى» أى ناقة خفيفة المشى والروح، وقد «بَشّكَت» أى «سرّعت». «تُبَشِّك بَشّكًا» و«بِشِّك» أيضًا بمعنى كذب، يُقال «هو يَبشِّك الكذب» أى يخلقه.وفى «لسان العرب». البشك يعنى سوء العمل، و«البشك» هى الخياطة الرديئة، يقال للخياط إذا أساء خياطة الثوب «بشكه وشمرخه». «البشك» في السير السرعة وخفة نقل القوائم، وهو أيضًا السير الرفيق. أما في «تاج العروس» فـ"البشاك» بمعنى الكذّاب، و«ابتشك الكلام» أى «ارتجله». وقال أبو زيد: «البشك» هو السير الرفيق، و«ابتشاك الكلام» اختلاقه وقيل ابتداعه؛ أما في «المعجم الوسيط» فـ"ناقة بشكى» أى سريعة في نقل قوائمها في العدو، وفلان كذاب فهو «باشك وبشاك». وإمرأة «بشكى اليدين والعمل» أى سريعة خفيفة.أما «هِشِّك بِشِّك» فربما أكثر ما يصدق على المعنى أنها ليست مجرد راقصة، بل هى المرأة اللعوب الخليعة الماجنة، المرادف الشعبى المصرى للمصطلح الفرنسى Femme Fattele /"المرأة المدمرة» التى تستخدم جسدها وسطوة أنوثتها في تحقيق رغباتها ومكاسب تفيدها، فهو ليس مجرد نعت بالابتذال وسوء الخلق، بل هو مرداف للشر والفجور.وتشير يحيى إلى أن «الهِشِّك بِشِّك» هى النظرة التى دمغت بها الراقصة في مجتمعها الشرقى الأصلى، وهى لم تختلف كثيرًا عن نفس النظرة التى دمغها بها المستعمر الأبيض عندما وصفها وكتب عنها كراقصة شرقية أو «راقصة هز بطن». وأن كل الأدبيات الغربية قامت على فكرة نساء الشرق الساحرات المسكونات بالغواية والإغراء اللاتى يرفضهن الرجل الأبيض المتعفف صاحب القيم المسيحية السامية. وتقول الباحثة ريتا فرج في مقالها «النسوية.. ما بعد الكولونيالية- تفكيك الخطاب الاستشراقى حول نساء الهامش». إن كتابات المستشرقين حملت مضامين كثيرة عن نساء الشرق سلبية أو إيجابية، فنحن أمام مخزون علينا فهمه لنتمكن من بلورة حركة أو أصوات بديلة.
مشاركة :