يقول مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي: عندما أشير لكل الكويتيين لن أقول الكويتيون من كافة الأطياف، فاليوم ليس هناك إلا طيف واحد ولون واحد وعنوان واحد هو الكويت. وعند الملمات المفجعة يجدر بالمواطنين أن يتنادوا ليكونوا أكثر تماسكاً والتصاقاً، بل ان الفواجع، على ما تجلبه من ألم الفقد والتدمير إلا أنها تجلب معها كذلك أسباباً لنبذ الخلاف والإصرار على التعايش تحصيناً للأوطان. هذا ما كابده وطننا، المملكة العربية السعودية، لسنواتٍ مع الإرهاب من قتل للآمنين، فلم يُفرق -أي الإرهاب- فهدفه كان وما زال تهديد السلم الاجتماعي وتفريق الجماعة. وهذا ما عايشناه في وطننا الغالي، المملكة العربية السعودية، من أن الفواجع الغادرة تجعلنا أكثر تقارباً، في ردة فعل سريعة محبطة لأيدي الإرهاب، بأن كيدكم مدحور ومسعاكم فاشل، فهدف تلك الأيادي ليس تدمير الحجر بل تفريقنا وتفتيتنا لنصبح نثاراً متناحراً ومتباغضاً. قضيت في العمل الخليجي منذ العام 1990، فما زادني ذلك إلا يقيناً بأن دولنا الست امتدادٌ واحد، وبأن مواطنيها نسيجٌ واحدٌ. وهناك من يظن أن مسيرة التعاون بين الدول الست تحددها مبادرات وجهود مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لكن الأمر ليس كذلك، فالمشتركات بيننا أعمق وأقدم بقرون طويلة، فأوجدت أخوة ممتدة وعلاقات اجتماعية واقتصادية متجذرة. وهكذا، فقد ألمنا ما حدث في الكويت من تفجير لمسجد الإمام الصادق (عليه السلام)، ليس فقط من باب التعاطف الإنساني، بل مضاف لها كذلك وشائج القربى على تعددها وتنوعها. هناك مَنّ ما زال يعيش حالة إنكار بأن ما نكابده من إرهاب، رغم أنه يبدو للوهلة الأولى طائفياً، لكن مقصده النهائي ليس طيفاً بل الوطن برمته بمقوماته ومكوناته كافة. والانكار هو نفي الحقيقة واستبدالها بوهم، فإن كان الانكار قهرياً لا إرادياً فيؤدي لغباء، وإن كان مصطنعاً فهو استغباء. والإنكار -سواء آلَ إلى غباء أو استغباء - ينطوي على خطأ في التشخيص، فيتبعه خطأ في المعالجة، ومن ثمَ تفاقم للمشكلة وبقائها وتفاقمها وتجذرها. والإنكار، لا يقبل من المثقفين المتأملين، أرباب الفكر وأصحاب التنظير والتأطير، ممن جعلوا معرفة الحقيقة هدفاً، واستيعاب الواقع وإدراكه شغلاً شاغلاً. وهكذا، ليس مقبولا استمرار الإنكار بطرح أفكار وحلول طائفية لمعالجة مشاكل وطنية، فالإرهاب يستهدف الجميع، وإن تَمَكن -لا قدر الله- فلن يستثني أحداً. وعليه، فأن يصرّ بعضنا أن يعيش حالة الانكار فهذا أمر مؤسف حقاً، أما أن يطالبنا جميعاً أن نعايشه حالة الانكار تلك فهذا جنون يقود لطريق مسدود، بل إلى متاهةٍ. هناك أياد مجرمة ساعية بالفتنة، تتربص بدولنا ومجتمعاتنا، ومَنّ يجد في نفسهِ سعادة ورضا بما تفعله تلك الأيادي فهو منها. وجدير بنا جميعاً التحرك من منطلق أساس وهو أن الإرهاب لا يستهدف مكوناً بعينهِ، بل المستهدف الوطن بعينهِ؛ فكلنا أعواد في حزمة يستلنا الإرهاب عوداً عوداً وفق تكتيك مرحلي، فهل نجابهه أعواداً فينجح مسعاه، أم حزمة لنهزمه وتنجح مساعينا في الحفاظ على الوطن وأهله وأمنه واستقراره؟! إذاً يمكن القول، أن لا خيار عقلاني أمامنا إلا خيار الحزمة، فعندما تستهدف أوطاننا فكلنا معنيون بذات القدر، وإن سَرّكَ أن السَيل أخذ جارك، فسرورك لن يدوم، إذ لن يلبث السَيل طويلاً قبل أن يُلحقكَ به. وإن فشلنا في التعامل وفقاً لخيار أننا حزمة لا تفرقنا الشدائد، فالسيناريو الجهنمي الذي علينا إدراك مراميه، فنهايته الظلامية الدموية هي: فتكٌ بالألفة، وإنهاك التعايش، واغتيال الأمان، والغدر بالسلم. ثمةَ أحدٌ يتفجر سعادة وحبوراً، وتنتفخ أوداجه رضا بنجاح مسعاه الآثم، وله أحد يرأسه، وثالثٌ يلعبُ بهما كبيادق الشطرنج الغبية تحركها يد من الخلف، تلك منظومة شر الفتك بالأوطان. ووسط تحديات الإرهاب العاصفة، فلا بد من إنهاء ناجز لحالة حيلهم بينهم بأن نتوقف عن التراشق ونكف أصابع الاتهام، لنمسح جراح أوطاننا، فالهدف ليس مسجدا بل الوطن الذي يحتضن المسجد، وليس ثلة المصلين الصائمين بل الهدف المواطنون كافة. كلنا يدعي أنه يدرك ذلك، لكن إلى أي مدى نمارس إدراكنا ذاك لنجعله سلوكاً وطنياً يرتقي من القسمة للجمع حفاظاً على وطننا فهو حصننا الحصين بعد الله سبحانه وتعالى؟! وكيف نمارس ذلك حقيقةً ضمن ذواتنا ومع أُسرنا وفي بيوتنا واستراحاتنا ومساجدنا ومجالسنا، بأن نتحيز دائماً لخيار الحزمة وليس لخيار العود؟
مشاركة :