أقيمت الحلقة الثالثة والعشرون لملتقى الفكر الإسلامي التي ينظمها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية برعاية الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، وجاءت بعنوان: " أمانة الكلمة "، وحاضر فيها كل من الدكتور سعيد حامد عضو المركز الإعلامي بوزارة الأوقاف، والشيخ مصطفى عبد السلام إمام وخطيب بوزارة الأوقاف. وفي كلمته أكد الدكتور سعيد حامد عضو المركز الإعلامي بوزارة الأوقاف أن الكلمة هي عنوان الإنسان ، وبها يكاد يكونُ كلّ شيء في حياته ، فبكلمة تسعد أمة ، وبكلمة تشقى أمم وشعوب ، بكلمة تحفظ وتصان الأعراض ، وبكلمة تهدر وتراق الدماء ، فالكلمة إما بانية أو هادمة ، وإما معمرة أو مخربة ؛ لذلك اهتمت الشريعة الإسلامية بها في كل الأحوال. وأشار إلى خطورة الكلمة على الإنسان ، لذا جاء الأمر الإلهي بضرورة ضبط اللسان وحفظه ، وعدم إطلاق العنان له في الخوض في أعراض الناس ، قال تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وفي تعبير القرآن الكريم بكلمة " يلفظ " من لفظ الطعام إذا أخرجه بعدما مضغه ، وفي هذا من التنفير ما فيه ، كما أن "من" في قوله تعالى " مِنْ قَوْلٍ " نكرة في سياق النفي فتعم كل كلمة سواء أكانت الكلمة صغيرة أم كبيرة ، طيبة أم خبيثة ، فكل كلمة مكتوبة عليهز وأوضح أن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان ، فإن استقام استقامت وإن اعوجّ اعوجّت ، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا). وأشار إلى أن الكلمة سلاح خطير ذو حدَّين ، إما أن تكون سببًا في دخول صاحبها الجنة ، وإما أن تكون سببًا في دخوله النار ، وإما أن تكون سببًا في البناء والإعمار إذا كانت صادقةً أمينةً صالحةً ، وإما أن تكون سببًا في الهدم والفساد والدمار إن كانت كاذبةً باطلةً فاسدةً ، فليست الكلمة أمرًا هينًا ، بل لها أهمية عظيمة في حياة الإنسان ، وفي تعامله مع الناس ، من بيع وشراء، وعقود ومعاهدات ، ونحو ذلك مما يتطلب الصدق في الحديث. وفي ختام كلمته أكد أن الكلمة أمانة ، يجب على قائلها أن يتقي الله (عز وجل) فيها، لما لها من خطورة وما يترتب عليها من خير كبير أو شر مستطير ، حيث يقول النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ( إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) ، فليدرك كل إنسان مسئوليته الكاملة أمام الله (عز وجل) وأمام ضميره وأمام الخلق عن كل ما يتحدث به ، حتى لا يكون سببًا في الفرقة والتنافر بين أبناء المجتمع الواحد، وحتى لا يكون سببًا في قطع الأرحام ، وإفساد العلاقات بين الناس. وفي كلمته أكد الشيخ مصطفى عبد السلام إمام وخطيب بوزارة الأوقاف أن الكلمة لها أهمية كبيرة ومنزلة عظيمة في الإسلام ، لذا أمرنا ربنا (سبحانه وتعالى) أن لا نتكلم إلا بالقول الرشيد الذي يصلح ولا يفسد ، يبني ولا يهدم ، يعمر ولا يخرب ، فقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، وقال سبحانه:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا...}، وقال:{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فالكلمة الطيبة تحفظ المودة ، وتديم الصحبة ، وتحول العدو إلى صديق ، وتقلب الضغائن إلى محبة ، وتمنعُ كيدَ الشيطان ، قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، فالكلمة الطيبة لها أثرها الطيب في صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب ، أما الكلمة الخبيثة فهي تسبب الفرقة والتنافر بين أبناء المجتمع الواحد ، وهي التي تهدم ولا تبني، وتخرب ولا تعمر ، وتحرض على الفتن ، وتدعو للعنف ، وتحث على الفرقة .ومن ثم فإن الكلمة منها الطيب ومنها الخبيث ، ولقد ضرب الله (عز وجل) مثلًا لكل منهما وما تحدثه من آثار ، فقال سبحانه:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، فالكلمة الطيبة كشجرة طيبة تثمر الخير ، وهي دليل على طيب المنبت ، وسلامة النفس ، وكمال العقل ، ونضوج الفكر ، وهي التي تَسرُّ السامع ، وتحدث أثرًا طيبًا في نفوس الآخرين ، لاسيما إذا رافقتها ابتسامة صادقة ، وفي ذلك يقول رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ( تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ)، موضحا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل الكلمة الطيبة دليلًا على إيمان صاحبها ، فقال: (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) . وفي ختام كلمته أكد أن حفظ اللسان دليل على كمال الإيمان ، وحسن الإسلام، وسبيل الوصول إلى الفردوس الأعلى، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}إلى أن قال: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، مشيرا إلى أن الله تعالى وعد من حفظ لسانه بالجنة ، حيث يقول نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ) ، لذا يجب أن نحافظ على ألسنتنا ، ونعلم أن الكلمة أمانة ، وسنسأل عنها أمام الله تعالى ، حيث يقول سبحانه :{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسئولا}. وتابع: أننا اليوم في أشد الحاجة إلى الكلمة الطيبة التي تعمر القلب بالمحبة والمودة ، وبخاصة ونحن في شهر الصيام ، فالكلمة الطيبة صدقة يؤجر عليها العبد ويُثاب عليها يوم القيامة ، نسأل الله تعالى أن يحفظ ألسنتنا من كل مكروه وسوء.
مشاركة :