ورثت حركات الإسلام السياسي صنعة الإعلام من اليسار العربي، والأخير لم يكن يعرف من الإعلام إلا الدعاية. خطابه يستند إلى الإقصاء والشعارات والعنف اللفظي. ومن يتأمل تاريخ ما يسمى الإعلام الإسلامي سيجد أنه يقوم على تحسين صورة مذهب أو حزب، وإلغاء الآخر، وتشويه صورته، وإخراجه من الملّة. والمفارقة هنا أن القائمين على الإعلام في الأحزاب والتيارات الإسلامية، أدخلوا بعض التحسينات على أساليبه مع بدء دخولهم عالم الفضاء أواخر التسعينات من القرن العشرين، وأوجدوا مزاوجة، غير موفّقة، بين أساليب اليسار، ومناهج الكنيسة المسيحية. ومن يتأمل القنوات الإسلامية اليوم سيجد أنها تجمع بين أساليب التبشير، والنضال في آن. ففي الوقت الذي تأتي فيه بداعية يحرّض على القتل، تأتي بآخر يقدّم الدعوة من خلال الحديث عن الحب، والرأفة بالقطط، مع أن بعض القنوات المسيحية أصبح يكره الحب ويقتل القطط. خلال السنين العشر الماضية تزايد عدد القنوات الدينية في شكل لافت، وكان لها دور بارز في الصراع الطائفي والمذهبي الذي تعيشه المنطقة اليوم. ولعله ليس من باب المبالغة القول إن القنوات الدينية الشيعية والسنّية، على حد سواء، هي المسؤولة عمّا وصلنا إليه من كراهية متبادلة، بلغت حد قتل مسيحيين عرب وتهجيرهم، وتفجير مساجد، وقتل أبرياء. وعلى رغم أن الشركات الكبرى في العالم لا تطرح إعلاناتها في القنوات الدينية، أياً يكن الدين، بسبب رفضها تقسيم الناس استناداً إلى الدين، إلا أن القنوات الدينية في دولنا مستمرة وتعمل، ما يعني أنها تُموَّل من دول وتنظيمات، وأصحاب مصالح حزبية وسياسية. مشكلتنا في العالم العربي أننا نتعامل مع القنوات الدينية برد الفعل. مصر أغلقت القنوات الدينية بعد الثورة، حين وجدت أنها تثير نعرات مذهبية وطائفية. وفي السعودية جاء إغلاق مكتب «وصال» بعد حادثة الإحساء، وفي الكويت أوقفت قناة «وصال»، بعد تفجير مسجد الإمام الصادق. هذا الأسلوب في التعامل مع القنوات الدينية لن يحل المشكلة. فإغلاق قناة «وصال» دون غيرها في الكويت، وفي السعودية، يعني أنها المسؤولة عن الجرائم التي سبقت الإغلاق، وهذا ليس صحيحاً، فكل القنوات الدينية السنّية والشيعية، مسؤولة عن التحريض المذهبي الذي تعيشه المنطقة. ولا بد أن تنطلق الحكومات من قناعة مفادها أن وجود قنوات دينية في مجتمعات مسلمة، عمل سياسي وليس عملاً دينياً، فضلاً عن أن الإصرار على مبدأ بقاء القنوات الدينية سيفضي إلى وجود قنوات بعدد المذاهب والأديان، ما يعني أننا سندخل بازاراً للإعلام الديني. لا شك في أن استمرار القنوات الدينية، على النحو الراهن، يهدد السلم الاجتماعي، ويكرس المذهبية والطائفية، ويساند طوفان التحريض والحشد. الأكيد أن القنوات الدينية تنشر التزمُّت والاحتقان والعنف، وتسوّغ النزعات الانقسامية، وتشكل خطراً على التماسك الداخلي في دولنا، ولا بد من قرار شجاع لوقفها.
مشاركة :