استأثر بالصلاح، وتأثر بالفلاح؛ فظل رهينًا للتوفيق مرتهنًا للوفاق.. اعتنق «الزهد»، وتعانق مع «الجد»؛ فأقام صروح «الاعتدال»، وأسس طموح «الامتثال». شرب من «ينابيع» الفقه معني «الوسطية»، وتشرب من «مجاميع» القضاء مفهوم «المهنية»؛ فجنى حصاد «اليقين» باكرًا بمواهب «التيقن»، وقطف ثمار «التقوى» مبكرًا بمهارات «التدين». إنه إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف السابق ورئيس محاكم المدينة المنورة الأسبق معالي الشيخ الجليل عبدالعزيز بن صالح الصالح - رحمه الله - أحد أبرز العلماء والفقهاء بالعالم الإسلامي. بوجه نجدي، تحفه علامات «الوقار»، وتكمله بصمات «السكينة»، وسحنة مألوفة، تشع منها تقاسيم «الروحانية» ومقسمات «الطمأنينة» في ملامح تتشابه مع والده وعائلته العريقة، وتتكامل مع أخواله من أسرة «الرميح»، وطله تنبع بالإتقان والأمان، وبهاء شخصي أنيق يتوشح «التواضع»، ويلتحف «البساطة»، وصوت مسجوع بمهارة «التجويد» مشفوع بموهبة «التسديد»، ومنظومة بشرية، تنطق بالفهم، وتستنطق بالفكر مع مخزون «ديني» مهيب، و«رصيد» فقهي عجيب، قضى الصالح نصف قرن وهو يؤسس للقضاء «أصول» الأحكام، ويؤصل للإمامة «فصول» الاحتكام.. ويحول «الخطابة» إلى «منهج» حياة في أسلوب حكمة، وسلوك حنكة.. فجادت «قريحته» بالخطب المتزنة التي ملأت مشارب «التقى»، وفاضت «سريرته» بالرؤى المعتدلة التي وظفت «مآرب» التقوى. في المجمعة الشهيرة بإنتاج المؤثرين وُلد في عام 1330هـ، وتشربت نفسه «قصص» الإحسان في مرابع الطيبين، و«ديمومة» النخوة في منازل الطين.. وتجرع اليتم باكرًا بوفاة والدته وهو في الثانية من عمره، وعاش في كنف أب كريم، صدم بوفاته طفلاً وهو في سن الخامسة؛ فزادته «آلام» الفقد صبرًا وعبرًا؛ فنشأ في كفالة أخيه الأكبر عثمان، وأصيب طفلاً بضعف البصر؛ فعوضه الله بقوة البصيرة التي جعلته «حديث» حيه الصغير «العقدة» الذي ركض فيه موليًا قبلته نحو «حلقات التحفيظ»، وموجهًا بوصلته قبالة «مجالس العلم»؛ فكان يقضي جل وقته في جامع الحي الملاصق لمنزل طيني بسيط، كان «جامعة» الطفولة التي انطلق منها نحو «منابر» العلا ومنصات «المعالي»، ودرس في بداية أيامه في كتاب الشيخ أحمد الصانع، وحفظ القرآن الكريم قبل العاشرة من عمره، ولازم وقرأ على يد الشيخ عبدالله العنقري - رحمه الله - أحد أبرز علماء نجد (التوحيد والفقه والتفسير والفرائض والنحو). واكتشف الشيخ العنقري سطوة التحصيل وملكة التميز؛ فعيّنه إمامًا في جامع المجمعة وهو دون العشرين من عمره، وتم تعيينه رئيسًا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنابه في تدريس الطلاب في «دروس العلم»، وعمل قاضيًا في طيبة الطيبة، ثم عُين رئيسًا للمحاكم بعد ذلك، وتم تعيينه إمامًا في المسجد النبوي قرابة خمسين عامًا، ومدرسًا في الحرم النبوي، وعضوًا في المجلس الأعلى للقضاء وهيئة كبار العلماء. عاش الصالح بين «ظلال» السمو الديني مكللاً بسمعة «أب» كان وجيه قومه، وواجهة أسرته، مجللاً بصنعة «قبيلة» كانت مصنعًا للرجال، ومنبعًا للأبطال ممن أكملوا «عقد» الوطنية بلآلئ المناصب. حصد الصالح «السبق» في سباق محموم مع بُعد نظره، ونال «العبق» في اشتياق حميم مع قوة بصيرته؛ فكان «كنزًا بشريًّا» مستحقًّا و«رمزًا إنسانيًّا» محقًّا، ملأ «ردهات» المحاكم بالنهج المعتدل، وأكمل «تساؤلات» الفتاوى بالوهج العادل.. في المدينة المنورة امتزج «نقاء» قلبه مع «ارتقاء» همته؛ فكان أمامًا في الفجر، وقاضيًا في الظهر، ومدرسًا في العصر، ومصلحًا في المساء.. إذ أرضخ «عقارب الساعة» للتوقف أمام حتمية «قضاء» الحاجات، ووجه «مطالب المحتاجين» للحلول أمام ضرورية «فرج» الكربات. انتقل الصالح إلى رحمة الله في 17 صفر عام 1415، ثم ووري جثمانه ثرى «البقيع» الطاهر، وشيعه الآلاف من الوفود في «مشهد» مؤثر، عكس محبته في القلوب، ومكانته في الخواطر بعد حياة حافلة بكل المعاني والتفاني، قضاها في معادلة «حياتية»، تجاهلت «مزايا» الدنيا، وتمسكت «بعطايا» الآخرة، كان فيها «صديقًا للفقراء»، «رفيقًا للمساكين»، «شقيقًا للجميع»، و«عطوفًا بالمحتاج»، و«شغوفًا بالإنجاز»، سجلها عقودًا في موازين «السنين»، وتركها أمجادًا في ميادين «الأثر». عبدالعزيز الصالح الإمام الهمام الفالح الذي سطر «ملحمة» الشيخ الوجيه الأنموذج من أعماق الهمم إلى آفاق القمم.
مشاركة :