لعل من نافلة القول إن الإعلام أحد أشكال القوة الناعمة لأي دولة ومجتمع، بأطيافه المعروفة من صحافة وقنوات فضائية وصناعة سينمائية، وبالطبع بشبكاته الرقمية وما يتبعها من وسائل تواصل وغيرها. وبالرغم من هذا الطوفان الرقمي الذي ما برح يغمر العالم وعلى مدار الساعة بترليونات من المواد والأخبار والصور والمقاطع، نافعها وضارها، إلا أن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يبقى ويظهر للناس قيمته. مفيد النويصر مذيع امتطى صهوة الإعلام عبر الإعداد وتقديم برنامج إثرائي يعرض تجارب شخصيات علمتها الحياة حين بدأت (من الصفر)، رجال ونساء عركتهم الأيام وصهرت معادنهم لتصفو ذهباً من الشوائب. وعلى تعدد وتنوع خلفيات تلك الشخصيات يأخذ البرنامج المتابع إلى بيئات وميادين تتنوع أو تتباين مع كل سيرة، فمرة يأتي الطبيب الذي قدم البلسم ورسم البسمة على الشفاه المتعبة، وأخرى يحضر رجل الأعمال الذي بدأ من أبسط المهن أو ورث النجاح من عائلته. ثم تحل أنثى شقت طريقها في الصخر برغم التحديات الاجتماعية، وذاك كاتب تشكل الصحافة أو الأدب قصة نجاحه وكفاحه، عدا عن رجال الدولة ممن عملوا في دواوينها ووزاراتها وآخرين في القطاع الخاص. أقول كل أولئك وغيرهم شكلوا مادة ثرية بمعنى الكلمة لبرنامج ليس هناك مجتمع تقدم أو تأخر إلا وتأسره قصص النجاح من خلاله، لأن الإنسان يرى شعاع الأمل إن كان في بدايات حياته العملية، أو ذلك المتعثر والمحبط بل وحتى الناجح، يرى في سير هؤلاء الناجحين البارزين مثالاً عملياً واقعياً وأملاً وحافزاً هو في بحث دائم عنه، يختصر عليه مئات الدروس والمحاضرات ويقدم زبدتها. والإنسان في العموم تأسره القصة والعبرة ولذلك جاءت الكتب السماوية وخاتمها القرآن الكريم الذي تشكل القصة ثلثيه لما لها من تأثير ووقع نفسي وفكري عظيمين. مفيد النويصر تميز بكونه اشتغل بمعادلة صعبة، إذ قدم برنامجاً اجتماعياً ثقافياً رصيناً ومع ذلك لا تغيب الابتسامة عن محياه، برغم أن مذيعي القنوات العربية وفي الغالب يعتقدون أن العبوس صنو للرزانة، من مقدمي نشرات الأخبار إلى البرامج الحوارية وغيرها، إلا ما رحم ربي ولا أعمم بالطبع. مفيد النويصر يذكرنا بمذيعين ما تزال نبراتهم وألحان أصواتهم في الذاكرة الاجتماعية والوطنية أمثال الراحلين إلى رحمة الله تعالى ماجد الشبل وإبراهيم الراشد مثلاً لا حصراً، ممن جمعوا بين جودة اللغة، براعة التقديم، حسن الإعداد، الثقافة الغزيرة والحضور أو الكاريزما الإعلامية. كما يذكرنا بمذيعين عرب تميزوا عبر إذاعة لندن أمثال ماجد سرحان رحمه الله الذي يندر أن تجد اليوم من يماثله في جودة الإلقاء واللغة وفخامة الصوت. ولعل من نافلة القول إن هناك فارقاً بين التقديم وبين جعل المشاهد أو المستمع يؤجل مشاغله كي يتسمر أمام الشاشة ليتابع برنامجاً عرف مقدمه كيف يقنع المشاهد أنه هو المهم وهدف البرنامج، ومفيد النويصر من هذه النوعية، فنجح في فترة وجيزة، لأن له من اسمه أوفر النصيب.. إلى اللقاء
مشاركة :