الخيال ..جوهر الشعر

  • 6/29/2015
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

مسألة الارتقاء بالثقافة عبر الأعمال الإبداعية، تنطلق من فهم الإبداع بوصفها إضافةً في الحياة، ومُساهمةً جديدة في الحياة نحتاج إليها. هذه الإضافة، أو المساهمة، الإبداعية، أياً كان حجمها، يحتاج إليها الفرد والمؤسّسة والمجتمع، وذلك للعلم والمعرفة والترقي والتقدم والتطور والنموّ وتحقيق السعادة. نتساءل، سؤالاً مهماً، كيف للشعر، أو القصة، أو الرواية، أو المسرحية، أن تُضيف شيئاً مهماً في الحياة نحتاج إليه؟ وبمعنى آخر، أو مُصاحب، كيف لهذه المجالات الإبداعية العظيمة والحيوية والعريقة والتاريخية أن ترتقي بالثقافة؟ سؤال جوهري، والإجابة عنه مُتعددة ومتنوعة، تنطلق من جوهر مهم، ألا وهو أن الإبداع يرتقي بالذوق العام. التجاذب مع الشعر والقصة والرواية والمسرحية، سواء بالكتابة أو القراءة أو التذوق أو الاهتمام، يُرَقِيّ الذوق الشخصي والذوق المؤسسي والذوق المجتمعي. بالنظر إلى الشعر، على وجه التحديد، مثلاً، ضمن سياق علمي وعملي وتاريخي، نجد أن هذا الفضاء الكبير والعظيم ؛ الشعر، هو مشروع جَمَالِي مُتصل، متواصل، ومهيمن على الذاكرة الشعبية ، والبُعد التاريخي للشعر موغل . ليس الشعر، فقط، تعبيراً عن ذاتية الشاعر، وروح الشاعر، ونفسه، وأن الشعر يعكس دواخل الشاعر. الشعر، عملاً إبداعياً، يرتقي بالثقافة، بطبيعته، هو شيء مُتصل بالواقع، والحياة اليومية، فقد تلتصق لغة الزهور والبحار والطيور والحب بالحياة، بتفاصيلها، وبالواقع، بتفاصيله. وما يُميز الشِعر عن بقية العلوم، هوالطبيعة التخييلية التي يمتلكها، أو الخَيَال الذي هو جوهره، يُضاف إلى ذلك قدرته على كشف تفاصيل الواقع، بالحسّ الداخلي المرهف للشاعر، وقدرته على الملاحظة، فدرجات حساسية الشاعر عالية، تجعل من نبضه، مقاييس ومؤشرات، فالشاعر قادر بطريقة غير متخيلة على سبر غور الواقع، بطريقته الشعرية الأدبية، والوصول إلى النتائج المُرادة، وغير المُرادة. للشاعر، مبدعاً، طريقته الخاصة في التفكير والتخيّل والرصد والملاحظة والتعبير والكشف والفهم والتحليل، وبالتالي يصل تلقائياً للإجابة عن الكثير من التساؤلات، بحيث يطرح إجابته في نصه الشعري، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما يقوم بتقديم الرؤى المناسبة، والأخرى غير المتخيلة، وقد يضع الحلول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبالتالي فهو يرتقي بالثقافة، بما تعنيه كلمة الثقافة من علم وفهم وإدراك وأحاسيس حضارية وجمالية وإنسانية. العمل الشعري عمل روحي كونه مُلتصقاً بذات الشاعر، وعمل تخيلي كونه مرتبطاً بالمقدرة التخيلية للشاعر، حيث إن الشاعر قادر على صُنع العوالم الخاصة به، وعمل مثالي كون الشاعر يطرح الكينونة التي يسعى إليها، ويضع الشكل الذي يريده، بغض النظر عن توافر كامل الأدوات لذلك، والعمل الشعري في الوقت نفسه عمل واقعي كونه يحملهما معيناً، ويلامس قضية معينة، ويتمّ ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولكن كطبيعة إبداعية خاصة بالشعر، مُلامسة ومُجاذبة الواقع تتم بالأدوات اللغوية الشعرية، كالكناية والاستعارة والرمز، وغيرها، وتتضمن المعالجة الشعرية للواقع، جماليات عدّة تعمل على جعل مسألة تناول جوانب الواقع فريدة من نوعها، تُحدث الأثر الأشد، والتأثير العارم، والتغيير اللازم. النص الشعري أو القصيدة كشف لما في نفس الشاعر، وتطويع لدواخله أيضاً، حين يُجْلِي الشاعر السُحب عنها، ويجعلها في متناول القراء. لم يعد في الأمر سِر، حين يتحدث الشاعر عن نفسه، وذاته، وكينونته، في شيء ما مُحدد، مثلاً، وتأتي مساهمته هذه، في لفت النظر، وجلب الانتباه، وإشراك المجتمع معه، بحيث تنبعث رسالته في المجتمع بضرورة التناول، تناول موضوع معين، وبحثه. يُحدث الشاعر الأثر لدى القارئ، بأهمية تذوق المعنى، عبر معرفة الحدث، وتناوله من خلال النص الشعري؛ ماذا يريد الشاعر؟ وإلى ماذا يهدف الشاعر عبر نصه الشعري؟ قد يضع الشاعر هدفه مباشرة، ويضع مُراده، في متناول القارئ، وقد يتركه، لقواه الذاتية، يُجاهد للوصول لمبتغى الشاعر، سواء مُبتغاه الروحي، أو مُبتغاه الواقعي، أو كلاهما معاً. وأحياناً يكون عمل الشاعر ترميماً لأشياء تهدمت في المجتمع، أشياء يحتاج إليها الإنسان، حتى يظل يشعر بالحياة بطريقة صحيحة، أشياء لا تقوم حضارة بدونها من دونها، أي أن الشاعر قد يقوم بترميم مكونات حضارية. والشاعر حين يقوم بترميم هذا الواقع، فهو يستشرف المستقبل، في الوقت نفسه، فعملية الترميم معناها أن الشاعر يشعر بأهمية هذه المُكونات الواقعية والحياتية، والتي قد يكون المجتمع قد غفل عنها، أو تجاهلها، فيبثُّ فيها الحياة، من جديد، لأنه يؤمن بصلاحيتها، وأهميتها، واستمرارية الحاجة لها، أي أن الشاعر يرى أن المستقبل يجب أن لا يخلو منها. وهنا يمارس الشاعر دوره الواقعي بشكل آخر.

مشاركة :