معركة ليّ ذراع بين السلطة والقضاة في الجزائر

  • 5/21/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أثار الاستدعاء الذي تلقاه رئيس نقابة القضاة من قبل المحكمة للمثول أمامها مطلع الشهر القادم، لغطا كبيرا لدى مختلف الدوائر السياسية والاجتماعية في البلاد، ولم تستبعد فيه نوايا تصفية الحسابات بين قضاة وسلطة يمثلها وزير العدل، في ظل الموقف الصريح للنقابة المذكورة الداعم للحراك الشعبي منذ الأسابيع الأولى لانطلاقته. وألمح البيان الذي أصدرته النقابة وتحصلت “العرب” على نسخة منه، إلى أسباب انتقامية من طرف المحكمة ضد رئيس النقابة سعدالدين مرزوق، الذي تم استدعاؤه للمثول أمامها في الفاتح من شهر يونيو القادم. ويبدو أن قبضة حديدية بصدد التشكل بين السلطة الحاكمة عن طريق الرجل الأول في الجهاز القضائي، وبين تنظيم نقابي لم يكتف بالحقوق والمطالب المهنية والاجتماعية للمنتسبين، وتعداها إلى مسائل أكثر جرأة كاستقلال القضاء وتحييد الجهاز التنفيذي عن عمل القضاة، ودعم الحراك الشعبي. مساندة الحراك الشعبي وراء استدعاء رئيس نقابة القضاة سعدالدين مرزوق للمحاكمة الشهر القادم وذكر البيان “تلقى نادي قضاة الجزائر باستهجان خبر إحالة الزميل سعدالدين مرزوق، على المجلس الأعلى للقضاء في جلسة استثنائية رغم الجائحة الوبائية، لا لجرم ارتكبه أو فساد اقترفه.. ذنبه الوحيد أنه كان مدافعا شرسا عن حقوق القضاة ومن الداعين الأوائل لاستقلالية القضاء عن وزارة العدل”. وجاءت دعوة المثول أمام المحكمة غداة تقدم رئيس النقابة بقراءة إيجابية لمسودة الدستور، دعت إلى “الانخراط الجماعي لمختلف القوى الفاعلة والحية في المسار الدستوري”، وشددت في مقترحاتها على التمسك من خلال الوثيقة التي أصدرتها بالأفكار والمطالب التي حملها الحراك الشعبي خلال الأشهر الماضية. وفيما لم يكشف عن مضمون التهم الموجهة للقاضي مرزوق، الموقوف عن عمله مؤقتا، إلا أن اللغط المرافق له من قبل ناشطين ومدونين وعاملين في المجال الحقوقي، يوحي إلى أنها تتمحور حول المواقف العلنية الداعمة للحراك الشعبي الصادرة عن نقابته. وشكلت حينها الوقفة التاريخية التي نفذها القضاة بالعاصمة، موقفا غير مسبوق في تاريخ القضاء الجزائري، لاسيما وأن بيان الوقفة شدد آنذاك على دعم مطالب ونضالات الحراك الشعبي من أجل التغيير السياسي الشامل في البلاد، ودعا إلى تحرير واستقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية ومصادر الضغط الخارجي. واعتبرت الوقفة آنذاك، اعترافا من فئة اجتماعية كبيرة بحقيقة الوضع المتدهور داخل مؤسسات الدولة، بشكل توافق مع المطالب التي رفعتها الاحتجاجات السياسية ومن بينها استقلالية القضاء عن الأجهزة والسلطة. وتأتي المحاكمة المنتظرة، في مناخ تخيم عليه أجواء خنق الحريات والقمع السياسي في البلاد، حيث لم تتوقف الآلة الأمنية والقضائية في توقيف وسجن العشرات من الناشطين والمدونين المحسوبين على الحراك الشعبي والمعارضين للسلطة. ورغم جائحة كورونا التي فرضت تدابير احترازية عالمية، من بينها تخفيف الضغوط داخل المؤسسات العقابية، وتجميد مؤقت للعمل القضائي دام عدة أسابيع، إلا أن حملة التوقيفات والإحالة على السجن المؤقت لم تتوقف طيلة تلك المدة. ويبدو أن جهاز القضاء الذي يقع في صلب الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها الجزائر منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في أفريل 2019، يقطع مراحل دقيقة بسبب تنامي الانتقادات ضد مساره وهيئاته، حتى من طرف النقابة التي كانت توصف بـ”المقربة من السلطة” (النقابة الوطنية للقضاة) بعد دخولها مؤخرا في مناكفات مع وزير العدل بلقاسم زغماتي. وكان موقف نقابة نادي القضاة التي يرأسها مرزوق، أكثر جرأة تجاه الرجل القوي داخل الجهاز، لما ذكرت بالقول “طغيان الأنانية والنرجسية المرضية”، في تلميح للوزير زغماتي، لما كان “قاضيا معروفا بالخنوع والتبعية وتلقي الأوامر”، في إشارة للأخطاء التي وقع فيها لما كان بصدد معالجة ملف الوزير السابق للطاقة شكيب خليل العام 2013، والتي يذكر حينها بأن “الرجل تحرك بإيعاز من قيادة جهاز الاستخبارات”.

مشاركة :