مراجعة: السعيد عبدالكريم - مصر المجموعة القصصية الأولى للصحفي السعودي حسين السنونة المعنونة بـ"ثرثرة خلف المحراب" تحمل طابعا نقديا لبعض المواضعات المجتمعية الخاطئة والقضايا السياسية والدينية التي تحتمل الجدال والمغالطات. بدأ السنونة هذه المجموعة بالقصة التي عنون بها مجموعته المكونة من عشرين قصة أولها "ثرثرة خلف المحراب" التي يناقش فيها بعض العادات الرجعية حتى في دور العبادة في بعض المجتمعات مثل ترتيب الجلوس في الصف الأول والثاني. وفي ذلك إشارة إلى دور الدين في ترتيب المجتمع وهو تقديم الكبار المسنين فقط لأنهم كبار مسنون حتى وإن كان ذلك ضارا بالمحتمع وعندما يتأخر الشيخ يعطي لبطل القصة فرصة للتفكير فيما هو خارج المسجد من طلبات الأم والمسلسل التلفزيوني وتمنيه فوز فريقه والموظف الذي يريد أن ينقل إلى جوار سكنه وأسعار السلع والطماطم التي أصبح الكيلو منها بسعر برميل النفط، جاء هذا في لغة ساخرة كأنه يقول "لو خشع قلبه لخشعت جوارحه". في قصة "أجساد ثملة" يتحدث الكاتب عن حرية المرأة وأبسط حقوقها التي لا تستطيع أن تمارسها كالمشي في الشارع مستمتعة بالمطر، وهذه أبسط متطلبات الحرية التي تحرم منها المرأة وتتهم بالجنون أو يتوعدها المارة بجهنم إذا مارستها في بعض المجتمعات التي لا تؤمن بحرية المرأة. يتناول السنونة في قصة من الذكريات حكاية العائلة ويصنف طبقات الفكر والتفكير وأثر البيئة في تكوين الشخصيات وحزن المكان على أصحابه الزائلين. يستعرض الكاتب في "رسالة من الصين" المجد العربي الزائل باكيا على زواله وقد يظن القارئ أن حسين السنونة كارها لهذا المجد العربي بسبب الجملة الأخيرة التي يعبر بها عن ندمه على أنه عربي. والحقيقة أن هذه الجملة ما هي إلا زفرة ألم ووخزة للضمير العربي الذي تراجع مجده وضعفت هيبته ورخص الإنسان فيه. تحاول قصة "وهج الخيال" الربط بين الإرادة والعمل والأحلام، حين يدخل أحد المواطنين علي بعض الموظفين ويطلب منهم حل مشكلاته الثلاثة عن طريق شرب اللبن الساخن قبل النوم والتخيل بحل هذه المشكلات كحلم الفقير بالغنى .. إلخ. مشكلة التشدد الديني يعالجها الكاتب في قصة "غبار خالص جدا" التي تتناول مسألة الحكم على الناس بالظاهر، ويكمل السنونة هذه الرؤية في القصة السابعة "قطط حشرات نمل" التي تُحيل الطغيان الديني المتشدد الى الطبقية المبنية على قواعد العصبية المجتمعية. يستعمل الكاتب أسلوب الفكاهة الساخرة لمناقشة بعض القضايا مثل التكافل الاجتماعي في قصة "زواج فقير" لا يستطيع الباءة ولم يستطع أبوه المساعدة ورفض رجال الدين والتجار والأصدقاء والمثقف الذي عرضه (السنونه ) ظاهرة صوتية ضررة أكثر من نفعه. ويبدو السنونة في قصصه متأثرا بموروثه الديني والبيئي والشعبي والعربي فتأثره بالقرآن واضحا وبالحكمة والأمثال واضح، ويعود السنونة إلى وجعه وهو نقد عادات المجتمع الذي يعيش فيه وربما يشير في كثير إلى تضخم الوجع إلى أن يصبح عربيا وربما أكثر.يعرض الكاتب في "ترانيم مواطن متسكع" مأساة استمرار المسؤول حتى ينقذنا الموت من براثنه ويطرح مشكلة الأحزاب التي تنادي بالحرية أول النهار وتأكل كبد الشعوب ليلا وكذلك المثقف العربي الذي تكسرت كلمته خلف مقاعد الزعماء وكل هذا الطرح من خلال مواطن يخرج كل يوم ليردد أنشودة اللعن وهي لعن هؤلاء الذين يخاف حتى الموت منهم. يطرح الكاتب آراءه بجرأة، ففي "شيخ قريتي" يروي قصة مواطن فقد خطيبته التي كان عقد قرانه بها وهي زوجة طلقت وهو يريد أن يصدر فتوى من خلال شيخ قريته الفاسد بوقف زواج هذه المرأة، هو يرى أن الشيوخ في هذا الزمان على اختلاف المذاهب والفرق يفتون بدفن البحر و قطع رؤوس النخل وحرمة الحب والشعر ويجيزون محبة اللصوص. وما قصته الحادية عشرة إلا انعكاس في مرآة القصة التاسعة حيث عودته لمناقشة ثبوت الحكام والتصاقهم بمقاعد الحكم العربي حتى حارس مرمى المنتخب لم يتغير منذ أن كان الكاتب طفلا وفي "الدقيقة الخامسة بعد منتصف الليل" يعرض تلقى ثلاثة أنماط من الشعب خبر تلقي موت الرئيس. وفي قصة "أصباغ ثملة" يعرض السنونة للمرأة العربية والغربية من خلال فكرة غاية في الطرافة ألا وهي عرض اللوحات أي أن تعرض المرأة على خيال الرجال كلوحة لكن الكاتب سقط في بعض التكرار اللغوي الذي يتنافى مع أهم سمات القصة القصيرة وهو مبدأ الإيجاز وظهر هذا في قوله (نهرتها فلم تنتهر ـ زجرتها فلم تزدجر) وهذا على سبيل المثال لا الحصر. قصة "أنا وأمي والمحرمات" تقف أمام حالة من حالات اجترار الماضي حين رسمت أمه يدها علي خده وهي تسأله ما علاقتك بالنساء ويقع فريسة ذكرياته بعد أن صفعته جدته بعبارة أنت كخالتك نور التي هربت مع معشوقها، ويتذكر تلك الفتاة التي قابلها في الطائرة ويرسم الفرق بين حضارتين. وينتقل السنونة في قصته المعنونة بـ"أسئلة بيضاء مجنونة" إلى عالم الموت الذي بدأ بتسوق زوجته وشراء كفن لكل منهما ليدخراه لوقت الموت ويتذكر الراوي كل ما تعلق بذاكرته من أعماله الشريرة. وتأتي قصة "ها أنت وحدك" وهي أشبه بسيرة ذاتية لحسين السنونة غير أنه يلجأ في نصفها إلى الحلول السياسية وقدرة القرار السياسي على التغيير، لكنه في "ملح بطعم العسل" يتناول أعباء الحياة وبحث الرجال عن أعمال إضافية وكشف زيف الظاهر، وفي "فنجان أسود ورقصة عجوز" يتحدث الكاتب عن أثر الموسيقى في تشكيل الوجدان وتطور نغم الحياة بتطور الأجيال. وفي قصة "ثرثرة سجين" يتحدث الكاتب عن سجناء الرأي ورؤية أهلهم البسطاء لهم وفقدهم الأهل والحبيبة. وفي هذه المجموعة بعض المآخذ فرغم تطور السرد العربي تطورا واضحا واعتماده علي العادي واليومي والمألوف إلا أن عناصر القصة القصيرة تبقى هي أساس الحكم على جودة العمل، ولقد توفرت وحدة الموضوع ووحدة الهدف لدي السنونة في كل قصص المجموعة. أما على مستوى التكثيف السردي، فكان واضحا في أكثر من مكان في المجموعة، غير أن الكاتب في بعض القصص يقع في ارتباك بالنسبة لتطابق الحوار مع الشخصية أو ربما يكون ذلك لاختلاف البيئة.
مشاركة :