مسلسل الاختيار يؤكد حتمية تجديد الخطاب الديني

  • 5/22/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مما لا شك فيه أن مسلسل "الاختيار"، الذي سلط الضوء على قصة حياة وبطولة الشهيد "أحمد المنسي" في مقاومة الإرهابيين في سيناء، مسلسل رائع في إخراجه وإبداعه الفني كما يراه كثيرون، فقد جسد هذا المسلسل الصراع الفكري الذي يدور في عقول كثيرين حاليا في المجتمعات الإسلامية، وهو صراع بين مفهومين للدين أحدهما وحشي ودموي، والآخر مفهوم يدعو للإنسانية والرحمة وهما طريقان ومفهومان لا يلتقيان! وقد تجلى بوضوح في الحوار أو الحوارات بين الشهيد أحمد المنسي والذي يقوم بدوره الممثل الرائع أمير كرارة وبين جنوده، أن مفهوم أحمد المنسي المسالم للدين هو أقرب ما يكون لمفهومه الشخصي وليس ما يتم تدريسه فعلا في كتب التراث والشريعة التقليدية. فعلى سبيل المثال، ماذا ستكون مشاعر الجندي الذي استمع لمفهوم الشهيد "أحمد المنسي" الرائع عن الدين وعن أهمية الوطن حينما يخرج ليسمع الشيخ الشعراوي وهو يسجد لله شاكرا كما قال بعد حرب 1967 ليشكر الله على هزيمة وطنه مصر؟ وماذا سيشعر حينما يسمع نفس الشيخ "الجليل" يشرح كيف أن من مات فداءً لوطنه ليس بشهيد؟ أشعر الآن بعقل هذا الجندي المسكين وهو يكاد أن يصاب بشيزوفرينيا حادة قد يهرع الجندي المسكين في حالة اضطرابه الفكري من جراء هذا التناقض الجذري في مفهوم الدين إلى قراءة أحد كتب "سيد قطب" مثل كتاب "في ظلال القرآن" أو "معالم على الطريق" أو غيرها من مؤلفاته الفكرية المشهورة ليقرأ المزيد عن احتقار الأوطان والتي تجلت في كلمة سيد قطب المعروفة في التحقير من فكرة الوطن ألا وهي "ما الوطن إلا حفنة من تراب!". مسكين هذا الجندي. فقد يلجأ أيضا في تساؤلاته لأحد المتشددين فيقول له إن "الكافرين" هم من لا يطبقون شرع الله مثل حد الرجم للزناة، وحد شرب الخمر أي الجلد ثمانين جلدة، وحد السرقة وهو "بتر اليد"، وقتل المثليين، وسيستدل هذا المتشدد على مفهومه بالآية الكريمة "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (سورة المائدة آية 44). وقد يزيده علما فيقول له إن "المسيحيين" أيضا كفرة وسيستدل على ذلك بالآية "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ" (سورة المائدة آية 72)، وإنه يتعين على المسلمين قتالهم وإذلالهم وأخذ جزية منهم  بناء على قوله تعال "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (سورة التوبة أية 29)، وقتالهم بناء أيضا على الحديث الشريف "عَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ ـ مُتفقٌ عليه". وسيجري الجندي المسكين بعد ذلك ـ إن لم يقرر الإلحاد وترك الدين برمته ـ لتفسيرات القرآن المعتمدة من مشيخة الأزهر وغيره من الهيئات الإسلامية مثل تفسير الطبري والترمذي وابن كثير، فيجد أنها، وبدون استثناء، في تفسيرها للآية 29 من سورة التوبة تدعو إلى مقاتلة غير المسلمين على الإسلام أو الجزية أو القتل، وأنها أيضا في آيات أخرى تبيح أخذ نسائهم سبايا! سيصاب الجندي المسكين بالصدمة حينذاك فيقرر أن يغير مصادر شرح الدين فيقرأ في فقه المذاهب الأربعة، فيجدهم وبدون استثناء أيضا يدعون لقتال غير المسلمين على الإسلام أو الجزية أو القتل، أي أنها تدعو هذا الجندي أن يقاتل زميله "المسيحي" والذي يقاتل بجانبه فداءً لوطنه، وتسيل دماؤه على أرض مصر الطاهرة ليحمي كل أبناء بلده لأنها تراه "كافرا" أو في أفضل الاحتمالات فقد تسمح له بالحياة ذليلا كذميٍّ عليه دفع الجزية. أشعر الآن بعقل هذا الجندي المسكين وهو يكاد أن يصاب بشيزوفرينيا حادة، ويكاد أن ينفجر ويتفطر من تناقض الفكر الرائع الذي تعلمه من المسلم المعتدل الشهيد أحمد المنسي عن الدين، وبين ما يسمعه ويراه في كتب التراث المذكورة أعلاه والتي يتشدق بها فضيلة شيخ الأزهر بل ويرفض تنقيحها حتى هذه اللحظة. مسكين أنت أيها الجندي الباحث عن الحق. أنا أشعر بحيرتك وأقولها لك من أعماق قلبي أن حيرتك ستنتهي وستنتهي فقط حينما يتواجد تفسير جديد للقرآن فالجندي المسكين الذي انبهر بمفهوم الشهيد أحمد المنسي عن الدين والوطن هو الآن في مأزق فهل يتبع فكر "أحمد المنسي" الجميل ويقاتل "الدواعش" الذين رفض شيخ الأزهر تكفيرهم، أم يقاتل من تم اعتباره كافرا في كتب الشريعة مثل من لا يقيمون الحدود ومن يرفضون الصلاة أو الصوم ومن لا يتبعون ملة الإسلام مثل المسيحيين وغيرهم؟ وهل يا ترى يرفض هذا الجندي المسكين فهم العالم "الجليل" الشيخ الشعراوي والذي أفتى بأنه إن رضى عنك اليهود أو المسيحيون فهو مغضبة لله. فالشيخ "الجليل" هو من قال بالحرف الواحد بأن علينا أن نستعيذ بالله من أن "نصنع تصرفا يرضي عنا اليهود أو النصارى"! أم يا ترى يصدق فهم الرائع المرحوم أحمد المنسي في مفهومه عن الإسلام! والمضحك المبكي أنه وسط هذا الصراع الفكري يعرض مسلسل "الاختيار" قبل نهايته وبصورة غير متوقعة أكثر من مشهد يدعم فكر فقيه القتل "ابن تيمية" فيزيد الأمر حيرة وتعقيدا! مسكين أنت أيها الجندي الباحث عن الحق. أنا أشعر بحيرتك وأقولها لك من أعماق قلبي أن حيرتك ستنتهي وستنتهي فقط حينما يتواجد تفسير جديد للقرآن ومفهوم جديد للشريعة وفقه متطور يعمل بروح القرآن وليس فقط بأحرفه وكلماته، فقها وتفسيرا وفهما يدعو لأهم مبادئ القرآن الكريم ألا وهو "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ!". فهل من مستمع! وللحديث بقية!

مشاركة :