يبدو أن للوباء إيجابيات أيضاً، ويبدو أننا بدأنا نتلمس الآثار الإيجابية التي قد يكون لفيروس كورونا وانتشاره غير المسبوق، الفضل فيها، خصوصاً في دول كانت عصيّة على التقدّم والتطوير، وإن كانت يوماً من الحضارات الأولى التي نقرأها في كتب التاريخ.اليونان، تلك الحضارة التي بدأت عام 223 قبل الميلاد وانتهت بوفاة الإسكندر الأكبر، وتميّزت بالإنجازات الطبية والعلميّة والفنيّة والفلسفيّة، وبعدما كانت طويلاً في المراتب الدنيا على صعيد التحول الرقمي، ها هي اليوم تسرّع خطواتها في هذا المجال مع انتشار العمل من بعد وموجبات التباعد الاجتماعي بسبب وباء كوفيد-19، وفق تأكيد خبراء. وقال وزير الحوكمة الرقمية اليوناني كيرياكوس بيراكاكيس لوكالة فرانس برس إن «البلدان المتأخرة في مسار التحويل الرقمي وجدت نفسها بمواجهة تحد أكبر» مع تدابير الحجر. وأشار إلى أن «الوجود الجسدي» في اليونان «كان بمثابة عادة فيما الأنشطة عن بعد هي الاستثناء»، لكن اضطرت أثينا لطي هذه الصفحة.وهذا المسار كان من بين الوعود الانتخابية التي أطلقها رئيس الوزراء المحافظ كيرياكوس ميتسوتاكيس، إلا أن الوباء سرّع تنفيذه. ذيل القائمة الأوروبية فقد احتلت اليونان موقعاً متأخراً العام الماضي في ذيل قائمة البلدان الأوروبية على صعيد «الأداء الرقمي». وحلت البلاد في المرتبة الخامسة والعشرين من بين 27 بلداً في الاتحاد الأوروبي في أحدث تقارير المفوضية الأوروبية عن الاقتصاد والمجتمع الرقمي. وكانت القدرات الرقمية لليونان من بين الأضعف، إذ إن ما يقرب من 20% من الفئة العاملة لا تملك أي كفاءات إلكترونية أو نفاذ على شبكة الإنترنت، فيما المعدل في الاتحاد الأوروبي لم يتخط 10% سنة 2019 بحسب بيانات هيئة «يوروستات» الإحصائية. وقال نيكوس سميرنايوس مسؤول المؤتمرات في علوم المعلوماتية والتواصل في جامعة تولوز إن «التأخر الرقمي في اليونان كان أمراً ثابتاً» قبل الوباء و«شكّل إرثاً اقتصادياً واجتماعياً في قلب الاتحاد الأوروبي». وأوضح سميرنايوس لوكالة فرانس برس أن «الأزمة الاقتصادية والمذكرات فرضت على اليونان تسريع التحول الرقمي للخدمات العامة التي كانت في وضع فوضوي، غير أن هذا الأمر حصل على الطريقة اليونانية، أي من دون قيود وبطريقة غير منظمة». كما أن الإدارة اليونانية اجتهدت لمواجهة هذا التحدي في عز وباء كوفيد-19 الذي بقيت تبعاته محدودة نسبياً في البلاد مع 166 حالة وفاة. ومنذ 21 آذار/ مارس، وفيما أعادت المدارس والمتاجر فتح أبوابها، أقيمت منصة تضم كل الخدمات العامة ما يتيح نفاذاً مبسطاً للسكان. بيانات إيجابية وأشار الوزير بيراكاكيس إلى أن الحكومة «سمحت للسكان بتوقيع وثائقهم من دون التنقل إلى الإدارات» و«منح الفئات السكانية الأكثر ضعفاً إمكانية تفادي الخروج من المنزل». وخلال فترة الحجر المنزلي الصارم بين 23 آذار/ مارس و4 أيار/ مايو، أتاحت السلطات للسكان تقديم نسخ إلكترونية من تراخيص الخروج، في مبادرة أشادت بها منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي لأنها سمحت بتجنيب السكان والمتاجر القيام بمهام لا طائل منها. وللإبقاء على الجاذبية اليونانية في ظل الضبابية السائدة مع اقتراب الموسم السياحي الصيفي، استعانت وزارة السياحة بالوسائط الرقمية من خلال إطلاق منصة «غريس فروم هوم» (اليونان من المنزل) التي تتيح لمستخدميها اكتشاف تاريخ البلاد وثقافتها ومناظرها الخلابة. وسجل الخبير نيكوس سميرنايوس ازدياداً في الوقت الذي يمضيه السكان على الإنترنت خلال هذه الفترة. وقال ديوميديس سبينيليس مدير قسم العلوم وتكنولوجيا الإدارة في جامعة أثينا الاقتصادية إن المجتمع اليوناني كان مستعداً جداً لهذا التطور. بانتظار «الثورة» الرقمية وأشار المحلل إلى أن الضغط المتصل بأزمة كوفيد-19 سرّع التحول الرقمي، مبدياً الأمل في عدم لجم هذه الدينامية بعد الخروج من الوضع الطارئ. وحتى الساعة، لم تقدم وزارة الحوكمة الرقمية أي حصيلة في هذا المجال. لكن كثيرين ينتقدون مكامن الخلل في انتشار شبكة الإنترنت والنقص في المعدات أو في التدريب. وتحدثت ديامانتو زافيراكي الموظفة في وزارة الاقتصاد عن «شبكة بوضع غير جيد وأنظمة تشغيل غير متناسبة وبرمجيات معطلة»، مشتكية من أن استخدامها هذه الخدمات يستهلك «الكثير من الوقت والطاقة». وقال ثاناسيس غوماس الأمين العام لاتحاد التعليم اليوناني الذي يضم نقابات معلمين، لوكالة فرانس برس إن «الاستمرارية التربوية لم تحصل إلا بفضل مبادرة المدرّسين إذ إن الوزارة لم تقدم لا توصيات ولا معدات خلال هذه الفترة».
مشاركة :