تقبَّل الله صومكم وسائر عباداتكم في شهر رمضان الفضيل. إعلان الفرحة والبهجة مطلوب من كل مَن صام وقام؛ ولعل ذلك دليل على القبول. وتعوّد بعض الناس على البكاء والغم والحزن بانتهاء رمضان أعتقد أن ذلك يخالف سُنة النبي الحبيب -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ إن التعبير عن البهجة مطلوب؛ لأن للصائم فرحة عند فطره، سواء فطره بانتهاء اليوم، أو بانتهاء شهر رمضان. ولأننا في المدينة المنورة فإن البهجة والسرور والفرح بالعيد مضاعف؛ لأن حب طيبة في كل قلب، ومنهم من يستطيع أن يعبّر عن ذلك الحب بكلمات، وبعضهم يكتمه في قلبه ولا يستطيع الإفصاح عنه، ولسان حاله يقول: ولها سرائر في الضمير طويتُها نسي الضمير بأنها في طيِّه وعيد الفطر حتى وإن كنا نتبادل فيه التهاني من داخل المنازل هذا العام (1441هـ)، حيث الأمن والأمان -والحمد لله-، فإن لعيد طيبة أريج العطر، وعبق الزهر.. أليست هي: الحبيبة والمحبة والمحببة والمحبوبة؟ أحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا لتحبيبها. أليست إذا ذكرت أقبلت القلوب إليها استجابة لدعائه لها -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم أقبل بقلوبهم»؟ إنها تغذي ساكنها وزائرها بكلمات الحب؛ لأنها طابة وطيبة حيث طاب هواؤها، وتطيبت تربتها.. ويتحقق ذلك واقعًا ملموسًا وأنت تتجول في أرجائها. ألم تر أني كلما زرت زينبًا وجدت بها طيبًا وإن لم تطيب إنك ترى اخضرار أشجارها قبل الربيع، وتشعر بأن تراب أوديتها الذي تمشي عليه يختلف تمامًا عن غيره، وتشعر في أيام العيد وأنت بها ببهجة العيد، ونشوة السعادة.. تشعر بأن الحب في قلبك أكبر من مجموع الحب في القلوب جميعًا، كما تشعر بأن الجميع يشاركك في هذا الحب؛ لأنك في بلدة أعطت للعيد بُعدًا: ها هم (الحبش) يرقصون برماحهم وحرابهم فرحين آنسين في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وها هي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تتفرج وتفرح. العيد فرحة، وللفرحة أحكام.. رقص الرجال مطلوب لإعلان الفرح. ها هو جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - يقدم عليه حين فتح خيبر، وتلقاه -صلى الله عليه وسلم- فرحًا: (والله ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟). أقبل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأهداه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسامًا يبقى ما بقي الزمان؛ إذ قال له: «أشبهت خَلقي وخُلقي». وما أروعه من وسام. هنا حجل (رقص) جعفر، وله أن يرقص إعلانًا للفرح.. وهناك شواهد أخرى كثيرة، تدل في مجموعها على إباحة اللهو واللعب في العيد وفي غيره. فقد ورد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الهوا والعبوا فإني أكره أن أرى في دينكم غلظة». وورد أنه قال صلى الله عليه وسلم «روحوا القلوب ساعة وساعة»، وورد في صحيح مسلم وغيره من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يا حنظلة ساعة وساعة». وقال علي -رضي الله عنه-: «أجموا هذه القلوب، فإنها تمل كما تمل الأبدان». وفي طيبة تعلن أصوات المدافع ليلة العيد، وتعم الفرحة والسرور الجميع، ولاسيما إذا تم الإعلان في وقت قبل تمام الشهر ثلاثين يومًا، ويخرج الجميع خاصة الأطفال مرددين الأناشيد وكلمات الترحيب بالعيد السعيد، وتحرص العوائل في ليلة العيد على الإعداد ليوم العيد، ولاسيما الملابس، وأنواع الحلوى والعطور، وما يقدم للزوار، ولاسيما أن بيوت المدينة المنورة تكون مفتوحة لكل زائر، بل قد لا يوجد من يستقبلهم؛ لأن (الصالون) مفتوح للجميع. وتجمعات العيد لها نظام؛ إذ إن مهرجان العيد كان قبل عقود عدة يقام بباب الكومة، حيث توجد المراجيح باختلاف أنواعها، وتصلح لمختلف الأعمار، بدءًا بالمراجيح الكبيرة وانتهاء «بهزي مركب»، إضافة إلى العربات المزركشة التي تجرها الأحصنة والبغال والحمير، وهذه العربات يركبها الأطفال إلى مسافات ليست بعيدة، وهي عربات جميلة مزركشة بمختلف الألوان. ويزيد الموقف جمالاً الأناشيد التي يرددها الأطفال. أما الحمير في العيد فلها قصص مختلفة، وهذا الاختلاف يأتي في السعر «أي ما يدفع في المشوار الواحد»، وذلك حسب المسافة، وحسب (زركشة) الحمار، وحسب أصل الحمار، ونادرًا ما تكون حمارة في مهرجان العيد؛ وذلك لأنها تشغل صاحبها في الدفاع عنها، من (معاكسات الحمير طبعًا)، وكم أسقط الحمار راكبه في مهرجان العيد بسبب حركات تلك المعاكسات. وعلى هامش مهرجان العيد هناك ألعاب شعبية، يمارَس بعضها وإن لم تكن لها علاقة بالعيد، منها: المزمار: وهي لعبة رجولية خطرة، لها قوانين وقواعد، وتتم ممارستها في العيد وبعض المناسبات الأخرى كالزواج، وتستخدم فيها العصا والرقص على قرع الطبول حول النار، وقد يتسبب الخطأ في هذه اللعبة في مشاجرات وإسالة دماء، ولاسيما بين «المشاكلة» أو الفتوة. وهناك مجموعة من الألعاب، تكون إما على شكل مجموعات أو شخصين أو (طفلين) أو أكثر عند ممارستها، منها -وبعضها لا علاقة له بالعيد، وإنما ذكرت للتاريخ فقط-: الكبوش، الحجاج، طبطب، الدحل (البرجوة)، المزويقة (المرصاع)، الكبت، طيري (الغميمة)، عصفر، اصطففت، الطاقية (طاق.. طاق.. طاقية)، البربر، أم الخمسة، التزقير، شيخ الأرض (وله اسم آخر) [الطاب]، الضاع، عظم وضاح (عظيم ضاح).. إلخ. ومهرجان العيد وما يقدم فيه وإن كان أساسًا للأطفال إلا أنه يجمع الناس على الحب والتآلف والتواصل والتراحم والتزاور والتقاء القلوب. وكل عام وأنتم بخير.
مشاركة :