تواجه البلاد التونسية موجة من الجفاف تهدد القطاع الفلاحي، بل تهدد حتى الشعب التونسي في المياه الصالحة للشرب، بسبب التغيرات المناخية التي تحصل في السنوات الأخيرة، وينصح الخبراء بضرورة إدارة الموارد المائية وتكييف الزراعة لمواجهة أزمة العطش المرتقبة. تونس- بعد مرور عدة أشهر دون مطر، يتطلع مواطنو تونس نحو السماء طالبين النجدة، ودعت وزارة الشؤون الدينية بتونس مرتين خلال العام الحالي المساجد لإقامة صلاة الاستسقاء. ولا تزال تونس تعاني نقصا حادا في المياه، وهي مشكلة تفاقمت بسبب التغير المناخي وموجة الجفاف. ويسير الحاج علي بطول حقله الترابي الذي يبعد ما يزيد عن 100 كيلومتر عن ساحل البحر المتوسط، وتبدو نباتاته الصغيرة الخضراء متناقضة بشكل لافت للنظر مع المساحات الجرداء والمغطاة بالحصى في المنطقة المحيطة بحقله، والتي يبعد الطريق المرصوف عنها مسافة بضعة كيلومترات. ويقول المزارع علي الذي يبلغ من العمر 56 عاما “كان من المفترض أن تسقط الأمطار الآن، ولكننا لم نشهدها منذ أشهر”، وليس بعيدا عن المكان تبحث الأغنام عن طعام لها في القاع الترابي لبحيرة صغيرة جفت مياهها بجوار حقله. ويشير إلى البيوت منخفضة الارتفاع المنتشرة فوق التلال، حيث تعيش نحو 40 أسرة في قرية عين الكحل الصغيرة مكونة تجمعا سكانيا يبلغ تعداده 200 نسمة، وليس بعيدا عن هذا المكان تقع قرية سيدي بوزيد التي اندلعت منها شرارة الربيع العربي، يقول علي “إنني أتمتع بالسكينة وبحريتي هنا، غير أن كثيرا من الشباب يغادرون المكان”. العطش يطال الطيور العطش يطال الطيور وأكدت تقارير سابقة أن نقصا حادا في نزول الغيث النافع تجاوز نسبة الـ90 في المئة وهو ما عجل بالدعوات إلى صلاة الاستسقاء في كامل البلاد. هذا النقص جعل الجهات المعنية تستنجد بـ80 في المئة من الموارد المائية لاستغلالها في الفلاحة، كما ستسجل نسبة المياه الجوفية والسطحية تراجعا بشكل كبير وستصل في تونس سنة 2030 إلى أقل من 28 في المئة، وهو ما يؤكد أن تونس مقبلة على سنوات جفاف. وصنّف تقرير دولي صادر عن معهد الموارد العالمية ”وورلد ريسورسز” في 2019 أن تونس من أكثر الدول المهددة بجفاف حاد بسبب ندرة المياه وارتفاع درجة الحرارة إضافة إلى استنزاف الموارد المائية. وصنف التقرير العديد من دول المنطقة ضمن ”الخانة الحمراء” لأكثر الدول المهددة بالجفاف، فاحتل اليمن المرتبة الـ20، فيما جاءت الجزائر في المرتبة الـ29، وتونس في المرتبة الـ30، وجاءت سوريا في المرتبة الـ31. وتعرّف منظمة اليونسكو ندرة المياه بأنها أي وضع تقل فيه موارد المياه المتجددة عن ألف متر مكعب لكل شخص في العام، وكان هذا المعدل بتونس 440 مترا مكعبا في مارس 2020. وستكون مناطق الوسط والجنوب في تونس مهددة بجفاف كلي إلى جانب نقص فادح في المياه الصالحة للاستهلاك مما ينذر بمواسم عطش. وأشارت دراسة حديثة للبنك الدولي إلى أن منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتعرضان لمخاطر خاصة بسبب التغير المناخي، وشهد الأردن والعراق العام الماضي أعدادا متزايدة من الاحتجاجات على نقص إمدادات المياه في فصل الصيف. معاناة المناطق النائية معاناة المناطق النائية ويفيد الخبراء بأن الجفاف في المنطقة راجع إلى أن الاحترار العالمي يدفع نشاط الأعاصير إلى التحرك نحو القطب الشمالي، بعيدا عن البحر المتوسط، وعندما تتحرك العواصف شمالا، فإن المناطق المعتدلة في خطوط العرض الوسطى، من إسبانيا إلى تركيا، ستشهد دفئا وعواصف أقل في فصل الشتاء. ويقول فيليب وجنيتز من “الصندوق العالمي لحماية الحياة البرية” وهو منظمة غير هادفة إلى الربح، إن “الزيادة السكانية الكبيرة والأنظمة التي لا تراعي البيئة، تزيدان أيضا من الضغوط على موارد المياه، ونرى أنه في المناطق المتاخمة للصحراء بشكل خاص تتزايد النزاعات حول توزيع موارد المياه، وتعد المياه عنصرا مهما يفاقم الأزمات” بينما تقول فرانشيسكا فابريتيوس مساعدة الأبحاث بفرع مؤسسة كونراد أديناور بالمغرب، إنه من غير المرجح أن يؤدي النقص في المياه إلى حدوث موجة جديدة من الهجرة الجماعية، التي تهرب من أفريقيا والشرق الأوسط. وتضيف أنه مع ذلك فمن المرجح أن يكون للتغيير المناخي في المنطقة تأثير على اعتبارات السياسة الأمنية في أوروبا. وتتابع فابريتيوس قائلة “عندما يتعلق الأمر بالماء والغذاء، فلا يمكن أن يكون ثمة تفاوض”، وتضيف أنه “يمكن لمثل هذه المنازعات أن تزعزع بدرجة أكبر استقرار المناطق المضطربة أساسا”. ومشكلة التغير المناخي لا تتعلق بالضرورة بنقص الأمطار ، بل بعدالة توزيع المياه، وعندما تتساقط الأمطار في نهاية الأمر تكون العواصف عنيفة للغاية غالبا مما يؤدي إلى موجة من السيول. نقص حاد في نزول الغيث النافع جعل المناطق الفلاحية تستنجد بـ80 في المئة من الموارد المائية لاستغلالها في الزراعة وتقول زيمون كريمر الخبيرة في شؤون المياه بفرع بنك التنمية الألماني “كيه.أف.دبليو” بتونس، إن “المياه تعد عقبة في طريق التنمية في تونس”، وتضيف أن الحل يتمثل في إدارة المياه بطريقة عملية ومتعقلة. وهذا هو أحد الأسباب في أن ألمانيا تدعم تونس بقروض تبلغ المليارات، وتشير بيانات بنك التنمية الألماني إلى أنه تم ضخ 763 مليون يورو (822 مليون دولار) لتنفيذ مشروعات للمياه في تونس وحدها. وتشمل هذه المبالغ صيانة السدود وإنشاء محطات لتحلية المياه بجزيرة ومنتجع جربة، وتحسين إمدادات المياه لقرية عين الكحل الصغيرة التي ينتمي إليها الحاج علي والكائنة في وسط تونس. ويشير تقرير لليونسكو إلى أن التغير المناخي، سيؤدي إلى نقص موارد المياه في مختلف أنحاء العالم بالإضافة إلى تدهور نوعيتها. ويوضح التقرير الذي أعد مؤخرا أن المليارات من البشر يتعرضون لخطر الحرمان من مصادر آمنة لمياه الشرب. ويتوقع واضعو التقرير أن تتزايد مساحات الأراضي الجرداء بشكل ملحوظ عبر العالم. وتقول أولا بيشارد عضو مكتب اليونسكو بألمانيا “نحن غالبا نتحدث عن نقص إمدادات المياه والصراعات المتوقعة حول المياه، ولكننا لا نتحدث بما فيه الكفاية عن حقيقة أن المياه تعد جزءا من حل أزمة المناخ”. وتضيف أن الإدارة الفعالة لموارد المياه يمكن أن تساعد على حماية المناخ، وأن معالجة مياه الصرف يمكن أن تساعد على الحد من انبعاثات الغازات الضارة بالبيئة. وتوضح أنه يجب تكييف الزراعة بشكل خاص لتصبح قادرة على مواجهة أزمة المياه والمناخ. ويفتقر حاليا نحو 2.2 مليار شخص في مختلف أنحاء العالم لمياه الشرب النقية، وذلك وفقا لتقديرات اليونسكو والتي تشير إلى أن استهلاك المياه على المستوى العالمي يزيد حاليا بمقدار ست مرات مقارنة بمعدله منذ 100 عام، ويرجع ذلك إلى النمو السكاني والاقتصادي وتغير العادات الاستهلاكية. ومن المتوقع أن يؤدي التغير المناخي إلى تفاقم الأزمة.
مشاركة :