الشباب هم الفئة الأشد والأسرع تضررا بين كل الفئات من تداعيات جائحة فايروس كورونا المستجد بالنسبة لحياتهم العملية، حيث أدت إلى اضطراب التعليم والتدريب ووضعت عراقيل كبيرة في طريق دخولهم إلى سوق العمل أو في التنقل بين الوظائف، خصوصا أنهم المجموعة التي غالبا ما تعمل بعقود عمل غير رسمية وأجور منخفضة. باريس - يعتبر الكثير من العاملين الشباب أن الإصابة بفايروس كورونا ليست أسوأ ما قد يحصل لهم في المرحلة الحالية، إذ يخيم شبح فقدان العمل على حياتهم، ويعيشون هذه المخاوف بشكل يومي. وتقول سعاد (25 عاما) طالبة ماجستير تونسية في إحدى جامعات باريس، “نحن أحد الضحايا الرئيسيين لفايروس كورونا، قد ينظر العالم إلى العاملين الأكبر سنا على أنهم الأكثر تضررا من توقف الأعمال وتدهور الاقتصاد لأن أغلبهم مسؤولون عن عائلات وأطفال ولديهم التزامات ومسؤوليات اجتماعية كبيرة، وبالنسبة للدول والحكومات هم الشريحة الأحق بالمساعدة والاهتمام”. مستقبل مجهول تضيف سعاد “هذا صحيح بنسبة كبيرة، لكننا أيضا نعيش مأساة حقيقية بعد أن تم الاستغناء عنا في أعمالنا وتأجلت الدراسة، وتراكمت الديون وأصبحنا غير قادرين على دفع نفقات السكن والمعيشة وتكاليف الدراسة بعد عودتها لأننا استنفدنا مدخراتنا طيلة أشهر، ومستقبلنا بات مجهولا”. وسعاد كانت تعمل في أحد المطاعم في العاصمة الفرنسية بدوام جزئي، لكنها تلقت رسالة من عملها منذ بداية الإغلاق العام لإعلامها بالاستغناء عن خدماتها. وتابعت “جئت إلى فرنسا في سبتمبر الماضي بغرض الدراسة، وواجهت صعوبة كبيرة في إيجاد فرصة عمل. وبعد بحث مضن وجدت هذا العمل، وبدأت الشهر الماضي فترة التجريب في مطعم قريب من منزلي، على أن أعمل 20 ساعة في الأسبوع”. وتتشارك سعاد السكن مع صديقة لها وعملها كان مصدر دخلها الوحيد لتأمين نفقات السكن والمعيشة، ومع بدء تخفيف قيود الحجر والانفتاح التدريجي لا تشعر بالتفاؤل لأن قطاع الأعمال بحاجة لوقت طويل للتعافي، والمطاعم التي أعادت فتح أبوابها لن تعيد كافة العمال لديها للعمل، إنما ستكتفي بعدد قليل لتسيير أمورها خاصة أنها مع الالتزام بالتباعد لن تعود للعمل بكامل طاقتها واستيعابها كما كان الحال سابقا. وسعاد هي واحدة من ملايين العمال الشباب حول العالم الذين فقدوا وظائفهم، وفق ما أكدت منظمة العمل الدولية في تقرير لها هذا الأسبوع. وقالت المنظمة إن الشباب كانوا “الأشد والأسرع تضررا بين كل الفئات” من تداعيات جائحة فايروس كورونا المستجد بالنسبة لحياتهم العملية. وأشارت إلى أن أكثر من واحد من بين كل ستة أشخاص في العالم توقفوا عن العمل منذ تفجر الأزمة، وهو ما يسلط الضوء على مجموعة غالبا ما تعمل بعقود عمل غير رسمية وأجور منخفضة، وتعمل بنسبة كبيرة في قطاعات أغلقت أبوابها بسبب الجائحة مثل تجارة التجزئة. محظوظون من احتفظوا بأعمالهم محظوظون من احتفظوا بأعمالهم ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء عن تقرير منظمة العمل القول إن الجائحة شكلت ضربة ثلاثية للشباب، فهي لم تدمر فقط وظائفهم وإنما أدت إلى اضطراب التعليم والتدريب وتضع عراقيل كبيرة في طريق دخولهم إلى سوق العمل أو في التنقل بين الوظائف. ولدى عرض التقرير على وسائل الإعلام، دعا المدير العام لمنظمة العمل الدولية غي رايدر الحكومات إلى “إيلاء اهتمام خاص بهذا الجيل المتأثر بتدابير احتواء” الوباء، لتجنب تأثره بالأزمة على المدى الطويل. وأوضح أن الشباب يتضررون من الأزمة بشكل غير متناسب، بسبب اضطراب سوق العمل ومجالي التعليم والتدريب. ووفقا للدراسة التي أجرتها منظمة العمل الدولية، قال واحد من كل ستة شباب استُطلعت آراؤهم إنه توقف عن العمل منذ ظهور كوفيد – 19، فيما قال أولئك الذين احتفظوا بوظائفهم إن ساعات عملهم انخفضت بنسبة 23 في المئة. بالإضافة إلى ذلك، رجح حوالي نصف الطلاب الشباب أنهم سيتأخرون في إكمال دراستهم بينما توقع 10 في المئة منهم عدم تمكنهم من إكمالها. وكانت نسبة البطالة بين الشباب 6.13 في المئة في عام 2019، وهي أعلى بالفعل مما هي لدى أي فئة سكانية أخرى. وكان حوالي 267 مليون شاب عاطلين عن العمل دون أن يكونوا طلبة أو متدربين. وكان من هم في عمر 15 – 24 سنة ولديهم عمل يعملون بشكل عام بشكل غير مستقر، إما لأنهم يؤدون وظائف منخفضة الأجر أو وظائف غير رسمية، وإما بسبب وضعهم كعمال مهاجرين. نصف الطلاب الشباب يتوقعون أنهم سيتأخرون في إكمال دراستهم بينما 10 في المئة منهم لن يتمكنوا من إكمالها وقال غي رايدر في بيان “إن الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها جائحة كوفيد – 19 تلحق الضرر بشكل خاص بالشباب، ولاسيما النساء، على نحو أصعب وأسرع من الفئات السكانية الأخرى”. وأضاف “ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لتحسين وضعهم، فقد نعاني من آثار الفايروس لعقود”. وتعاني فئة أخرى من الشباب اللاجئين بشكل مضاعف جراء نزيف الوظائف، حيث تؤثر خسارتهم لعملهم على أوضاع أهاليهم في أوطانهم الذين يعتمدون عليهم في تأمين معيشتهم، بحسب ما يقول فراس الذي يتمسك بالأمل في أن يتم تدارك الأزمة العالمية ويستعيد عمله في قطاع البناء. وأوضح الشاب السوري فراس (32 عاما) الذي كان يعمل في شركة بناء بدوام جزئي، أنه فقد عمله مؤخرا لأن كل القطاعات على اختلاف أنواعها تأثرت بالوباء العالمي وتوقفت الأعمال. ويضيف أنه يستطيع تدبر أموره في الفترة المقبلة، لكن المعضلة التي تقلقه جدا هي عدم قدرته على مساعدة عائلته في حلب، خاصة مع التدهور الاقتصادي والغلاء الفاحش الذي تعيشه سوريا حاليا. ويتابع أنه ليس الوحيد الذي يعيش هذه الظروف ويعيل أسرته في سوريا، إذ يشاركه العديد من أصدقائه هذه المحنة. وتظهر النسخة الرابعة من “المرصد” الصادر عن منظمة العمل الدولية حول تأثير كوفيد – 19 أيضا أنه لدى إجراء اختبارات الكشف عن الإصابة بالفايروس بصورة كثيفة يقل الاضطراب في سوق العمل ومن الناحية الاجتماعية مقارنة بما يحدث في ظل تدابير الحجر الصحي واحتواء الوباء. ففي البلدان التي تجري اختبارات كثيفة للكشف عن الإصابة بالفايروس وتنظم حملات واسعة النطاق لهذا الغرض، يقل متوسط انخفاض ساعات العمل بنسبة تصل إلى 50 في المئة. حالة نفسية سيئة الشباب الذين يدخلون سوق العمل في فترة ركود يمكن أن يعانوا من تداعيات الركود لسنوات عديدة الشباب الذين يدخلون سوق العمل في فترة ركود يمكن أن يعانوا من تداعيات الركود لسنوات عديدة وتقول منظمة العمل الدولية إن لذلك ثلاثة أسباب؛ فالاختبار والفحص يقللان من الحاجة إلى تدابير احتواء صارمة كما أنهما يعززان ثقة الجمهور عبر تشجيع الاستهلاك والمساعدة في دعم التوظيف، ويساعدان في تقليل الاضطرابات التشغيلية في مكان العمل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساهم الاختبار والفحص بشكل مباشر في خلق وظائف جديدة، حتى وإن بصورة مؤقتة. وقال رايدر “يمكن أن تكون الاختبارات والفحوصات عنصرا قيِّما في استراتيجية مكافحة الخوف، والحد من المخاطر، والنهوض باقتصاداتنا ومجتمعاتنا بسرعة”. وعلى الصعيد العالمي، تستمر الأزمة في التسبب في “انخفاض غير مسبوق في النشاط الاقتصادي ووقت العمل في جميع أنحاء العالم”، وفق منظمة العمل الدولية التي تشير إلى أن منطقة الأميركيتين هي الأكثر تضررا، تليها أوروبا ومن ثم آسيا الوسطى. ومقارنة بالربع الرابع من عام 2019، لاحظت المنظمة انخفاضا بنسبة 4.8 في المئة في ساعات العمل في الربع الأول من عام 2020 (وهو ما يعادل 135 مليون وظيفة على أساس أسبوع عمل مدته 48 ساعة). أما توقعات الربع الثاني من السنة فوُصفت بأنها “كارثية” إذ يُتوقع أن تنخفض ساعات العمل بنحو 10.7 في المئة (ما يعادل 305 ملايين وظيفة بدوام كامل). ويذكر أن معدل البطالة بين الشباب الذكور في الولايات المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما، ارتفع إلى 24 في المئة خلال أبريل الماضي، مقابل 5.8 في المئة خلال فبراير الماضي، في حين ارتفع معدل البطالة بين الفتيات إلى 8.29 في المئة مقابل 5.7 في المئة خلال الفترة نفسها. وقالت منظمة العمل الدولية إن نفس هذه التوجهات واضحة في كندا والصين وأستراليا وغيرها من الدول. وأشارت بلومبيرغ إلى أن الشباب الذين يدخلون سوق العمل في فترة ركود يمكن أن يعانوا من تداعيات الركود لسنوات عديدة؛ لأنهم يكافحون من أجل العثور على وظيفة أو يضطرون للعمل في وظائف لا تناسب خلفيتهم التعليمية. ويشتكي الكثير من الشباب الذين فقدوا وظائفهم بشكل مفاجئ، بالإضافة إلى ظروف الحجر الصحي والعزلة، خصوصا أولئك الذين يعيشون بعيدا عن عائلاتهم من أوضاع نفسية سيئة، وهو ما يعتبره علماء النفس أمرا طبيعيا في هذه الأحوال. بحث متواصل عن البديل بحث متواصل عن البديل ويشرح بعض علماء النفس أن فقدان الوظيفة لا يقل إيلاما عن فقدان شخص عزيز عليك. إذ يمر المرء بالمراحل الانفعالية المرتبطة بالحزن، بدءا بالصدمة والإنكار، ثم الغضب والمساومة، وفي النهاية تصل إلى تقبّل الأمر الواقع والأمل. ويقول الأخصائي النفسي الأميركي آدم بنسون إنه قد يكون من الأفضل عندما تجد شخصا فقد وظيفته، أن تساعده في الاعتراف بالمشكلة، وعندها سيشفق على نفسه ولن يكبت المشاعر التي تنتابه. وذلك لأن البعض يحاول إنكار عمق الألم الذي ينتابه بسبب الفقدان، وأكثرهم يقول لنفسه “لماذا أشعر بالحزن، مادام الجميع قد فقدوا وظائفهم مثلي”، لكن بنسون يقول إن هؤلاء عندما يدركون أنهم فقدوا بالفعل شيئا مهمّا، مثل فرصة أو أمل أو علاقة، سيشعرون بألم الفقدان. وأشارت الدراسات التي أجريت في أعقاب الأزمة المالية العالمية إلى أن الأشخاص الذين واجهوا عثرات مالية أو صعوبات في إيجاد مسكن، كانوا أكثر عرضة للإصابة بمشاكل نفسية. فكيف يمكن أن يحافظ المرء على توازنه النفسي في هذه الأوضاع الاستثنائية؟ وينصح بنسون الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم أو فقدوا عزيزا لهم أو غير ذلك، بأن يدرسوا الوضع من جميع جوانبه، وأن يركزوا على الجوانب التي يمكنهم التحكم فيها، وليس الجوانب الخارجة عن سيطرتهم، وأن يحددوا المشاكل التي ستواجههم من أثر الفقدان، مثل ضرورة تخفيض المصاريف المنزلية لفترة من الوقت، وتعديل نمط حياتهم لمجاراة الوضع الراهن. ويلفت بنسون إلى أهمية أن يدرك المرء أن الحياة ستكون شاقة، على المدى القصير، وأن التغييرات ستكون حتمية حتى تتحسن الأوضاع. ورغم أن أزمة البطالة الحالية تعيد إلى الأذهان الأزمة المالية العالمية التي وقعت عام 2008، إلا أن الفارق بين الاثنتين أن هذه الأزمة مؤقتة وسيعود الناس إلى أشغالهم بمجرد كبح جماح الفايروس. وأثارت هذه الأزمة الحالية حس التضامن بين الناس. ويضرب بنسون مثالا بأصحاب المطاعم في حي مانهاتن الذي يسكنه، إذ يواظبون على دفع الرواتب للعاملين بانتظام وبعضهم نظم حملات لجمع التبرعات للعاملين. صحيح أن هذه المبادرات من أصحاب المطاعم لن تحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتجذرة، إلا أنها ستخفف عن الناس مشاعر الحزن والغضب وتأنيب الذات، لأنهم لم يفقدوا وظائفهم بسبب تقصير أو خطأ ارتكبوه.
مشاركة :