البرمجة تعوض الشباب عن خسارة وظائف المستقبل | رويدة رفاعي | صحيفة العرب

  • 6/21/2020
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

بدأت ملامح وظائف المستقبل بالظهور في السنوات القليلة الماضية، وترتبط غالبيتها بمجال البرمجة، الأكثر طلبا في سوق العمل واهتماما من قبل الشباب، لكن هذا المجال لا يخلو من صعوبات وتحديات لاسيما في المجتمعات العربية. يعيش الملايين من الأشخاص حول العالم هاجس فقدان الوظائف بتأثير الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة ودخول الروبوتات مختلف نواحي الحياة، إلا أن خلف هذه التكنولوجيا سوق عمل كبيرة تحتاج الذكاء البشري وعقول المطورين الشباب. يقول توماس فري، المدير التنفيذي وكبير الباحثين في معهد دافينشي، إن “60 في المئة من وظائف المستقبل لم تخترع بعد”، وربما تخفف هذه المقولة من وطأة وثقل تصريحاته الأخرى التي تؤكد اختفاء أكثر من ملياري وظيفة بحلول العام 2030، وعلى الناس البدء بالتفكير في وظائف جديدة. والفئة الأكثر تأثرا بهذه التغيرات التكنولوجية المتسارعة هي الجيل الجديد الذي ما زالت الفرصة أمامه متاحة للتعلم والتدريب وتطوير مهاراته. مجال يحتاج صبرا وحبا وفي حقيقة الأمر بدأت ملامح وظائف المستقبل تظهر منذ سنوات وتزداد وضوحا مع مرور الوقت وغزو التقنيات الحديثة كافة الميادين حتى أبسطها، ما يعني الحاجة إلى تقنيين ومبرمجين ومطورين، إلا أنه ورغم إدراك الشباب لهذه الأهمية فإن استعداداتهم تتفاوت للمضي في هذا المجال الذي يحتاج إلى صبر ومثابرة. إبراهيم محمد: هناك وعي متزايد لدى الشباب بأهمية البرمجة، فالطلب الكبير في سوق العمل على هذا التخصص، دفع الكثيرين إلى تطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم إبراهيم محمد: هناك وعي متزايد لدى الشباب بأهمية البرمجة، فالطلب الكبير في سوق العمل على هذا التخصص، دفع الكثيرين إلى تطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم إبراهيم محمد (30عاما) شاب سوري يقيم في هولندا منذ أربع سنوات ويعمل مصورا فوتوغرافيا، يرى أن الشباب اليوم يتوجهون للعمل في مجال البرمجة لأنه يفتح أمامهم مجالات واسعة في الشركات والبنوك والمحطات الإعلامية والكثير من القطاعات، ويقول “هناك وعي متزايد بأهمية هذا المجال، فالكثير من أصدقائي أنهوا دراستهم الجامعية لكنهم طرقوا هذا الباب، فالطلب الكبير في سوق العمل على هذا التخصص، دفع الكثيرين إلى تطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم”. ويضيف محمد في تصريح لـ”العرب”، “مجال البرمجة يحتاج إلى الصبر والحب والرغبة في العمل به، لذلك فإن بعض من توجهوا إليه لمسوا صعوبته ولم يستطيعوا المتابعة واتجهوا إلى شيء آخر، ثم ندموا ومنهم من عاد إليه، وآخرون لم يسعفهم الحظ أو الإرادة والجهد”. بالنسبة لمحمد لا تنفصل البرمجة عن الطموح وتطوير المهارات لإدارة العمل الخاص، وهو بصدد إنشاء مطعمه الخاص إلى جانب عمله في التصوير، وأكد أن تعلم البرمجة من ضمن أولوياته في مشاريعه القادمة وسيكون من ضمنها إطلاق تطبيق وموقع إلكتروني، مستفيدا أيضا من خبرته كمصور فوتوغرافي محترف. ويوضح “عملي في التصوير يتطلب متابعة من متخصص بالبرمجة والتسويق الإلكتروني، ووجود شخص محترف بهذا المجال بجانبي يعطيني الثقة والراحة كما أنه يضيف إلي معرفة أكبر في هذا المجال لأن لدي اهتماما به”. ويشير محمد إلى الحواجز التي تخطاها الشباب اللاجئون بمساعدة البرمجيات، لافتا إلى ”أن البرمجة لغة عالمية مثل الموسيقى وتساعدهم في بلد مثل هولندا باعتبار سكانها يتقنون اللغة الإنجليزية أيضا، فلم تكن هناك مشكلة في التعامل مع هذا المحيط”. ويقول المختصون أن مرونة العمل بهذا المجال ومردوده المالي الجيد يجعلانه خيارا مثاليا لجيل الألفية، فلا يحتاج المبرمج إلى الجلوس خلف مكتبه طوال وقت الدوام الرسمي، فالمهم هو النتيجة النهائية وإنجاز العمل من أي مكان. لكن الموضوع لا يخلو من الصعوبات خصوصا بالنسبة لسوق العمل في العالم العربي التي لم تصل بعد إلى المستوى العالمي. وبحسب بعض العاملين في هذا المجال، فإن الأسواق العربية متعطشة لحلول من المبرمجين العرب لفهمهم العميق للتحديات وقربهم من أصل المشاكل، بينما لا يتوفر العدد الكافي من المبرمجين المتمكنين من إنتاج هذه البرمجيات، لذلك يتم اللجوء إلى مختصين من دول مثل الهند، وباكستان وأميركا الجنوبية وروسيا. خصوصية عربية البرمجة وظيفة المستقبل البرمجة وظيفة المستقبل في المقابل، يشتكي بعض الطلاب من خريجي الجامعات باختصاص تقنية المعلومات من أنهم لم يجدوا فرص العمل التي كانوا يتخيلونها، بالنظر إلى ما يثار حول هذا الموضوع والقول إن البرمجة هي أكثر الوظائف طلبا حاليا. ويواجه المبرمجون العرب جملة من المشكلات تتعلق بخصوصية المجتمعات العربية، منها ما يتعلق بنظام الحياة واختلافها عن الدول الغربية، حيث يولي العرب أهمية كبيرة للحياة الاجتماعية والأسرية والزواج وتأسيس عائلة، لذلك ينحصر اهتمام غالبيتهم بجني المال، وبالتالي التوقف عن تطوير الذات ومواكبة التطورات الكبيرة والمتسارعة بهذا المجال، في حين يحتاج المبرمج المحترف إلى الاستمرار في متابعة المستجدات التقنية. وهناك نقاط أخرى تتعلق بطبيعة العمل نفسه حيث يجد المبرمج نفسه أمام الكثير من الطلبات مع دعم مالي قليل، حيث تطلب الكثير من الشركات أعمالا وميزات محددة بشروط معينة ودعم فني لا محدود، مقابل عرض مالي ضئيل لا يرقى إلى مستوى العمل المطلوب، وهو ما يضعف رغبة المبرمج في الإبداع، وينحصر اهتمامه في تأمين معيشته، ورغم وجود الاستثناءات إلا أن غالبية المبرمجين يجمعون على أنهم صادفوا إحدى هذه الشركات أو الزبائن من هذا النوع. وبسبب القرصنة، ساد انطباع عام لدى الناس في المجتمعات العربية بأن البرمجيات لا تكلف شيئا يذكر مثل سعر أي برنامج “سي.دي” وبالتالي لا يوجد تقدير لجهد المبرمج. ويدعو خبراء التقنيات والبرمجيات الجهات الحكومية من خلال المدارس والمراكز التعليمية والمبادرات المجتمعية إلى توعية الناس وتثقيفهم حول ماهية البرمجيات ومراحل صناعتها والجهد الذي تتطلبه. وتعتبر وسائل الدفع غير المتوفرة أكثر المشاكل التي طرحها المبرمجون خصوصا الذين يعملون بشكل حر، فباستثناء دول الخليج ما زالت الخدمات البنكية متواضعة في غالبية دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث قد يكون فتح حساب بنكي والحصول على بطاقة ائتمانية يمكن استخدامها للدفع من خلال الإنترنت عملية ليست سهلة، فبعض البنوك في مصر مثلا تشترط وجود سجل تجاري لفتح حساب بالدولار الأميركي، وشروطا تعجيزية أخرى ليس سهلا تأمينها ولا يقدر عليها طالب قد أنهى دراسته الجامعية للتو، ولا يعمل في شركة كبرى! إضافة إلى القيود التي يتمّ فرضها على الحوالات المالية من قبل الحكومات والبنوك “لأسباب أمنية”. قطاع المستقبل المبرمج يجد نفسه أمام الكثير من الطلبات مع دعم مالي قليل المبرمج يجد نفسه أمام الكثير من الطلبات مع دعم مالي قليل تضاف إلى ذلك صعوبة إتمام المعاملات المالية في دولة مثل سوريا بسبب العقوبات الاقتصادية التي تمنع التعامل معها بشكل أساسي، وعدم وجود استقرار أمني كاف لتقديم خدمات بنكية، وعدم وجود بنية تحتية من الأساس. ولذلك يعاني الكثير من المبرمجين من صعوبة في تحصيل أموالهم من خلال وسطاء وسماسرة يتقاضون عمولات كبيرة على مبالغ هي بالأساس صغيرة، ويؤثر هذا الأمر على عملية بيع البرمجيات، وعلى المبرمج نفسه عندما يريد شراء برنامج أو منتج مساعد له من الإنترنت. ورغم كل هذه المعوقات تبقى البرمجيات قطاع المستقبل بالنسبة للشباب، وتطرق تقرير وظائف المستقبل 2040 الذي أصدرته مؤسسة استشراف المستقبل أبوظبي، إلى أهم الوظائف التي ستخلقها التكنولوجيا بعد عشرين عاما، وتتطلب جميعها مهارات برمجية. ومنها صيانة الروبوتات ومراقبتها وبرمجتها، واستشارات مراعاة أخلاقيات بنائها، وتطوير الأعمال الخاصة بها، حيث توقع التقرير أن تندمج الروبوتات بشكل واسع في حياة الناس، وتؤدي مهام مختلفة في قطاعات شتى، ما يخلق هذه الوظائف. ومع غزو البيانات الضخمة جميع مجالات الحياة، وعلاج الأمراض، وإمكانية توقع موظفي الإغاثة للكوارث الطبيعية واستجابتهم لها، وتحديد الشركات لرغبات المستهلكين، يزداد الطلب على المتخصصين في علوم البيانات والمحققين فيها ومستخرجي البيانات ومحلليها ومراقبيها وغيرهم. ويفيد التقرير بأنه في عام 2040 ستنتشر الطائرات دون طيار بأعداد هائلة، وستحظى بتطور هائل في مجال الحوسبة والقدرات الملاحية الذاتية، ما يخلق الحاجة إلى طواقم العمل الخاصة بقيادة الطائرات دون طيار، ومهندسيها وصيانتها ومصمميها ومبرمجيها وغيرهم. حتى المجال الطبي لن يبقى كما هو بمفهومه التقليدي، حيث ستعتمد المستشفيات على الروبوتات الطبية، وستحتاج إلى توظيف مختصين ومصممين تقنيين، إضافة إلى الأطباء والممرضين والمهندسين في مجال التعديل الجيني. وستتاح وظائف مدربين ومشرفين وكتّاب وموسيقيين وفنانين ومحاسبين وخبراء في الأمن الإلكتروني معززين بقدرات الذكاء الاصطناعي. وباتت تكنولوجيا بلوكتشين أو قاعدة البيانات قادرة على إحداث تغيرات جذرية في قطاعات عدة، كالحكومية، والمالية والصحية، والعقارية، والتأمينية، والتجارية وقادت دفة التغيرات الإيجابية في معظم مناحي الحياة، ومن أهم الوظائف الجديدة وظائف المشرعين المعنيين بقواعد البيانات ومهندسيها ومصمميها وخبرائها ومحللي أنظمتها، وغيرها.

مشاركة :