إبراهيم أحمد عيسى: الرواية التاريخية لا تخبرنا بالحقيقة | مصطفى عبيد | صحيفة العرب

  • 6/3/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

التاريخ مصنع حكايات وحقل قصص ومعين دائم للمبدعين لريّ موهبة السرد وإنضاجها. وبدا من الواضح أن هناك توجها خلال الآونة الأخيرة لأصوات جديدة من المبدعين للنهل من الواقع ومن أفكار الشخوص التي عاشت بيننا وكانت حيواتها دراما حقيقية لتنقلها إلى عالم الرواية، ومن بينهم الكاتب المصري إبراهيم أحمد عيسى. “العرب” كان لها هذا الحوار معه حول الرواية والتاريخ. الكثير من الكتاب العرب يرون أن التاريخ في عالمنا العربي مُزدحم بوقائع درامية ما زالت تتكرر عبر الزمن، وترسم نماذج عدة لأبطال وخونة ونبلاء وأشرار ومناضلين ومتآمرين. لجوء عدد من الروائيين في الوقت الحالي إلى استلهام حكايات من التاريخ وتكثيفها والاتكاء عليها لإقامة بُنى حكايات جذابة، يؤكد ثيمة جديدة بدأت تُرسخ أقدامها في الرواية العربية وهي التشابك مع التاريخ. يقول الروائي المصري إبراهيم أحمد عيسى في حواره مع “العرب”، إن “هناك كنوزا لا حصر لها في تاريخ العرب تصلح كنقاط انطلاق لموجة من الروايات الواقعية، والتاريخ يمثل إغواء للمبدعين الجدد لإعادة قراءة شخصيات استثنائية قد تدعو للإطلالة على عوالم تبدو منسية”. إبراهيم أحمد عيسى، واحد من الأدباء الشبان الذين قدموا تجارب إبداعية قائمة على التاريخ، وحازت أعماله بعض الجوائز الأدبية الإقليمية، وهو من مواليد مدينة الإسكندرية، شمال القاهرة، حصل على بكالوريوس نظم معلومات، ثم حصل على دبلوم في السينما الرقمية، اختار التوقيع باسمه الثلاثي لإبعاد اللبس بينه وبين الكاتب والإعلامي الشهير إبراهيم عيسى، صاحب “رحلة الدم” و”القتلة الأوائل”. بدأ إبراهيم أحمد عيسى مشروعه الروائي مبكرا وهو لم يزل في العشرينات من عمره فأصدر “طريق الحرير” سنة 2014، وهي رواية فانتازيا، ثُم اتجه إلى الروايات ذات الخلفيات التاريخية فقدم “البشرات” لترصد نهايات دولة الأندلس، ثم رواية “ابق حيا” وتتناول وقائع الشدة المستنصرية والأوبئة التي ضربت مصر في عهد الدولة الفاطمية، ثُم رواية “باري.. إنشودة سودان”، ثم رواية “حكاية الأشبوني”، وأخيرا رواية “الحاج ألِمان”، التي ركزت على تاريخ المقاومة المغربية ضد الاستعمار الغربي، من خلال تقديم سيرة عبدالكريم الخطابي قائد الثورة المغربية في الريف. تاريخ مشترك رواية تركز على تاريخ المقاومة المغربية ضد الاستعمار الغربي رواية تركز على تاريخ المقاومة المغربية ضد الاستعمار الغربي يكشف عيسى في حواره دوافع تتبعه لتاريخ المقاومة المغربية للاستعمار رغم كونه مصريا، حيث كان في زيارة إلى المغرب ودار نقاش طويل بينه وبعض أحفاد المناضلين المغاربة الذين شاركوا في مقاومة الاستعمار وبدت أمامه شخصية الخطابي المُحيرة والمُفعمة بالسمات الإنسانية والأجواء المُحيطة باللمعان ليقوم بصياغة عالم متكامل من الأحداث والحياة الصاخبة. يقول إنه شعر برغبة شديدة في كتابة نص يُخلد به مرحلة المقاومة وأبطالها الأفذاذ، فتاريخ المقاومة العربية للاستعمار في المغرب، هو ذاته في الجزائر ومصر وغيرهما من الدول العربية. ويتابع “إننا نتشارك في اللغة، وإن تعددت اللهجات، ونتشارك في التاريخ، وإن اختلفت الأحداث، ونتشابه في المناضلين وإن تنوعت المصائر، لكن هُناك جينا مشتركا هو الرغبة الدائمة في مقاومة الأجنبي والموت في سبيل الأوطان”. ويوضح، أنه اندفع إلى الكتابة بتصور مبدئي يرى ضرورة استدعاء مراحل النضال والمقاومة الحقيقية ضد الاستعمار لإتاحة الفرصة للأجيال الجديدة لتعرف كفاح السابقين، وتستلهم منهم الدروس والعبر، ويتناغم الأدب بما يقدمه من متعة وجمال مع النماذج المضيئة في التاريخ. يؤكد الروائي المصري في حديثه على أن الالتفات إلى التاريخ ليس سمة تخص الجيل الأحدث من الروائيين العرب وحدهم، إنما هناك إرهاصات وتجارب سابقة لكثير من الأدباء من جيل الرواد والسابقين الذين قدموا تجارب فذة سميت نقديا بكتابات ما بعد الكولونيالية، غير أنه يشير إلى وجود ولع أكبر لدى أجيال القراء في الوقت الحالي بالأدب المشتبك مع التاريخ، خاصة تاريخ الاستعمار. ويشير إلى أن الرواية التاريخية ليس منوطا بها أن تخبرنا عن الحقيقة، كما أنها لا تعد مرجعا للتاريخ، إلا أنها رغم ذلك لا يمكن لها أن تخرج عن دائرة الأحداث المثبتة والوقائع الحقيقية، وإلا تصبح رواية فانتازيا. ويضيف “أعتقد أن الكاتب الناجح هو الذي يُشعر القارئ بأن كل هذا العالم الذي بين يديه حقيقي تماما، ولا يتم ذلك إلا بتقمص الكاتب لحالات أبطاله والإحساس بما يحسون من تبدل للأجواء المحيطة والحالات النفسية، وتظل لكل كاتب حالة خاصة على قدر فوضوية الأفكار المختمرة في رأسه، فالكتابة تنبع من حميمية المعايشة للواقع، وينعكس ذلك على النص التاريخي بالضرورة”. القراءة نقطة بداية في تصور الكاتب إن الخيال نبع الإبداع، تتشعب روافده وتختلف بين القراءة والمطالعة لصنوف الأدب والموسيقى، كما أن هناك أيضا المواقف الإنسانية التي تشكل الجزء الأكبر من وعي الكاتب. من هنا قرر إبراهيم أحمد عيسى، وضع جدول عام لقراءاته الشخصية في التاريخ والأدب والسير كي يُلمّ برؤى متنوعة للتصورات الممكنة للأدب، ما منحه فرصة جيدة للتعرف على أساليب ومدارس السرد المختلفة في الساحة العربية، وساهم في تطور لغته، فالكاتب الجيد في اعتقاده هو الذي تتطور لغته من عمل إلى آخر ويمكن أن يمنح لكل حقبة لغتها ومفرداتها الخاصة بها. الالتفات إلى التاريخ ليس سمة خاصة بالروائيين العرب الشباب إنما هناك إرهاصات وتجارب سابقة لكثير من الأدباء لمع اسم إبراهيم أحمد عيسى، في سوق الرواية العربية المزدحمة بالإصدارات، ودور نشر تُركز على إصدار أكبر عدد من الروايات دون اهتمام فعلي بالمحتوى، يقول “إن غزارة الإنتاج الروائي في العالم العربي لا تعكس بالضرورة مستوى متميزا للقيمة الأدبية”. ويلفت إلى أن الكتابات التي أضافت بالفعل إلى المحصلة الجمالية واللغوية للأدب العربي، قليلة جدا مقارنة بغزارة الإنتاج الأدبي، وغزارة الإنتاج على الجانب الآخر حافظت على عدد القراء الذين كان من الممكن أن يتناقصوا بفعل الثورة الرقمية، ورغم كل تحديات عالم النشر وسوق الكتاب ظهرت على الساحة أسماء شابة عديدة صارت تشارك وتنافس في أكبر الجوائز العربية بل والعالمية. وحول طريقة استلهام عناوين أعماله الروائية، والتي تبدو غرائبية، يقول إبراهيم أحمد عيسى لـ”العرب”، “أؤمن بأن عنوان العمل هو البوابة لذلك العالم الذي نحن مقبلون عليه لذا أختار أسماء رواياتي بدقة تناسب روح العمل وما يحويه من رسالة أو هدف، ويتأرجح الاختيار بين دلالة المكان أو الزمان أو حتى شخصية من الشخصيات، كما أميل لإضافة عنوان فرعي لكل عمل كمثال رواية ‘باري‘ التي حازت على إحدى الجوائز العربية الهامة، وهو ‘إنشودة سودان‘ دلالة على البطل”. يلاحظ عيسى ضعف الاهتمام الفعلي بالقيمة الأدبية لدى كتابات الروائيين الشبان، ما يشير إلى وجود انطباعات سابقة التجهيز تعتبر كل رواية لكاتب غير معروف بالضرورة عملا ضعيف القيمة. ويوضح أن هناك عوامل عدة تتشارك في هذه المعضلة، ففي بعض الأحيان تَشعر وكأن بعض دور النشر تتنافس على جائزة أفضل عمل رديء، ويتم توجيه القراء من خلال مجموعات موظفة على مواقع التواصل الاجتماعي تحكمها الشللية، ويتم رفع بعض النصوص وبخس أخرى، لكن يبقى القارئ الحكم الحقيقي، ولا اختلاف في أن الكتابة الجيدة تعيش حتى بعد موت كاتبها. مهمة الروائي إبراهيم أحمد عيسى واحد من الأدباء الشبان الذين قدموا تجارب إبداعية قائمة على التاريخ إبراهيم أحمد عيسى واحد من الأدباء الشبان الذين قدموا تجارب إبداعية قائمة على التاريخ يتصور الأديب المصري أن مهمة الروائي تتمثل في الرصد قبل تقديم المعالجة للمجتمع بمشكلاته، ورسم حكايات حية مختلفة رابطها الأساسي الإنسان والمواقف الإنسانية عبر الزمان والمكان، وعلى الروائي خلق عالم يستحق أن تزوره وتراه رؤية العين من خلال الكلمات، وربما كان الروائي الراحل نجيب محفوظ هو الأفضل والأبرز في رصد المجتمع في عصور مختلفة، ونجح في التنقل بين ثيمات الرواية من تاريخية مثل، رادوبيس، وصولا إلى الحرافيش وثرثرة فوق النيل. ويعتبر عيسى أن كاتبه المفضل هو نجيب محفوظ، لكنه يُحب أيضا الروايات ذات البعد التاريخي مثل ما قدمته رضوى عاشور من نصوص روائية، وكانت بمثابة المرشد الأول والدافع الحقيقي له لخوض تجربة الرواية التاريخية، ويهتم كثيرا بمؤلفات محمد المنسي قنديل، ويعده بمثابة “زعيم الرواية التاريخية الحديثة”. ويؤكد لـ”العرب”، أن هناك لحظة يَشعر فيها الكاتب بأنه وصل إلى ذروة مجده وحقق كل شيء، ربما بالحصول على جائزة أو بثناء القراء على أعماله، لكن الحقيقة أن الكاتب عليه تطوير نفسه بصفة مستمرّة ليحافظ على مكانة كتاباته، لذلك فالشعور بالتحقق هو أمر نسبي، وربما يكون غير ممكن. في تصوره، إن الكتابة حياة، ومن يكتب لا يستطيع التوقف يوما، فربما يفتر أو يتكاسل أو حتى لا ينشر ما يكتبه، لكن يظل يكتب إلى النهاية، لكن القليل هم الكُتاب الذين اعتزلوا الكتابة قبل أن توافيهم المنية.

مشاركة :