صباح أول أمس الاثنين لم يكن عاديا في بلدة الأصابعة، وعلى الجميع أن يقرأ جيدا ما جرى ليدرك حقيقة ما يدور في ليبيا، فقد ارتفعت أهازيج الشباب وزغاريد النساء ترحيبا بالجيش الوطني والقوات المساندة من أبناء المنطقة والقبائل، وعمت الأفراح، وانتشرت أشرطة الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لتنقل مشاعر المواطن الليبي العادي الحالم بوطن يشعر فيه بسيادة الدولة وبالأمن بعيدا عن فوضى الميليشيات وأطماع الغزاة الأتراك. كانت الأصابعة منحازة دائما إلى الوطن، وهي من المدن التي قدمت عددا كبيرا من الشهداء، وكان أهلها ممن أدركوا حجم المؤامرة التي يتزعمها الإسلام السياسي على بلادهم منذ العام 2011، ورغم ما تعرض له أبناؤها من تصفيات واعتقالات وتهجير وتفقير وانعدام الخدمات، إلا أنهم رفضوا الانخراط في حكم العصابات، سواء في زمن المؤتمر الوطني الإخواني أو في زمن حكومة السراج، واستطاع شبابها تحصين البلدة رغم وجود البعض من أبنائها في صفوف الإخوان ورغم ما تعرضت له من اعتداءات من قبل ميليشيات الزنتان وغريان. منذ العام 2014 والأصابعة داعمة للجيش، ولكن في 21 مايو الماضي دخلها التحالف الميليشيوي من مدن غريان والزاوية والزنتان ومصراتة المدعوم بمرتزقة أردوغان، وأعلن السيطرة عليها بعد قصف عشوائي بالمدفعية والصواريخ، والطيران التركي المسيّر، وشهدت البلدة التي لا يتجاوز عدد سكانها 70 ألف نسمة، الكثير من الانتهاكات والجرائم، ومن محاولات إذلال السكان المحليين بشتى الوسائل. اعتبرت حكومة الوفاق دخول ميليشياتها إلى الأصابعة نصرا كبيرا، وكسبا استراتيجيا يساعدها على تأمين الجبل الغربي، ويفتح محاور جديدة ضد مدينة ترهونة، ويؤمن طرق الإمداد إلى طرابلس وضواحيها الجنوبية، واحتفلت أبواق التحالف التركي القطري الإخواني بالحدث، لكن الجيش غيّر خطته التكتيكية. وشباب البلدة وأبناء القبائل أصرّوا على رصد المعتدي، وأكدوا أن سجلات تاريخ الأصابعة لن يقبل بأن يتضمن خضوعا للغزاة الأتراك. استعيدت البلدة من قبل الجيش ومن قبل أبنائها، وكان من أبرز المشاهد المؤثرة، مشهد وصول المقاتلين إلى منزل سيدة قضى أبناؤها الثلاثة نحبهم على أيدي الغزاة الأتراك، فخرجت إليهم وهي تزغرد وقد امتزجت في مقلتيها دموع الألم بدموع الفرح. أهم الدروس التي قدمتها بلدة الأصابعة أن المعركة هي معركة كل الليبيين مهما اختلفت مواقفهم وتوجهاتهم، وأن الموالين للجيش الوطني والموالين للنظام السابق كانوا معا في مواجهة الحشد الميلشيوي وجحافل المرتزقة والإرهابيين، وفي ذلك أفضل رد على من يحسبون أنفسهم على زمن القذافي، ويمدون أياديهم في السر والعلن للإخوان، ويعقدون معهم اجتماعات في تركيا وسويسرا وإيطاليا والسنغال وغيرها من الدول، من أجل التوصل إلى صيغة لتقاسم السلطة، وهم يعرفون أن هدف الإخوان وحلفائهم يصب فقط في العمل على ضرب الحاضنة الاجتماعية القبلية للجيش الوطني. سجون طرابلس ومصراتة لا تزال تعجّ بالمحسوبين على النظام الجماهيري، رغم صدور أحكام نهائية تبرئ أغلبهم، وأن من يتحالف مع مفردات السلطة في طرابلس حاليا، إنما يدعم الاحتلال التركي، ويقف إلى جانب العصابات الإجرامية، ودواعش المال العام وأمراء الحرب المتورطين في قتل الأبرياء. الدرس الثاني هو ذلك الذي أشار إليه احد مسلحي الميليشيات، عندما أعرب عن استغرابه من استقبال الأصابعة للجيش بالزغاريد والأهازيج، بينما استقبلت عصابات الوفاق قبل أيام بالحزن والحداد، وهو ما يدل على حقيقة مشاعر الشعب الليبي نحو حكومة الأمر الواقع في طرابلس ومرتزقة أردوغان الذين تعتمد عليهم. الوقائع أثبتت أن الشعب يريد جيشا وطنيا يمثّل بالنسبة إليه قيم السيادة وشرف الانتماء، وكلما دخلت القوات المسلحة مدينة أو قرية وجدت الترحيب الحار، بينما يمثل وصول الميليشيات الرعب من سفك الدماء واعتقال الأبرياء. الدرس الثالث أن حكومة السراج والدائرين في فلكها إنما يخوضون حربا بلا ضمير، وبلا سقف أخلاقي أو سياسي، وبلا مستقبل، لأنها لا تختلف عن حرب فجر ليبيا الانقلابية في العام 2014، وهي لا تعدو أن تكون محاولة لاحتلال الجغرافيا بواسطة ميليشيات إرهابية. تصريحات خادعة، وفتاوى عبثية، لم تعد تؤثر في الشعب الليبي الذي قرأ جيدا الأحداث التي عرفتها بلاده منذ العام 2011، وأدرك أن سلطات طرابلس ليست سوى دمى متحركة خاضعة لإملاءات النظامين القطري والتركي. وما على الجيش الوطني إلا أن يسارع بتحرير غريان والإجهاز على آخر الميليشيات المتحصنة بها، وتدمير قاعدة الوطية نهائيا، حتى لا تكون خازوقا تركيّا في خاصرة ليبيا ودول الجوار، وإعادة بسط نفوذه على المنطقة الغربية كاملة، خصوصا وأن خطته التكتيكية الجديدة أثبتت جدواها في كسر الجمود حول طرابلس.
مشاركة :