لعبت الطبقة الوسطى في المجتمع الإيراني دورا بارزا في إنجاح ثورة 1979، فقد تضامنت مع بقية شرائح المجتمع الإيراني خلال سبعينات القرن الماضي وساهمت في قيادة المجتمع نحو الإطاحة بالنظام وتحريك الطبقة المثقفة من أساتذة وطلاب الجامعات والنخب الفكرية. لقد ساهمت طبقة البازار (التجار) في ذلك أيضا من خلال دعم المتظاهرين ورجال الدين بالأموال، وكذلك أعلنوا في أكثر من مناسبة إضرابا شاملا شل الحركة التجارية والحياة العامة في البلاد مما شكّل ضغطا كبيرا على نظام الشاه الأمر الذي ساهم، إضافة إلى عدة جوانب أخرى، في إسقاط النظام الملكي في إيران. بعد الثورة، أدرك النظام الجديد مدى قوة هذه الطبقة وخطورتها والتهديد الذي تشكله على استمرار نظام الجمهورية الإسلامية وبخاصة في ظل عدم الوفاء بالتعهدات والوعود التي قطعها النظام على نفسه خلال الثورة وبعدها. عمل النظام الحاكم بشكل منظم على انحسار وتفتيت هذه الطبقة منذ انتصار الثورة وازداد اليقين بضرورة التخلص منها بعد الأحداث التي أعقبت نتائج انتخابات 2009 التي منحت الرئيس أحمدي نجاد دورة ثانية كرئيس للبلاد على حساب زعيمي الحركة الخضراء مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين لا يزالان يقبعان قيد الإقامة الجبرية، حيث نجح المؤيدون للحركة الخضراء في كسب هذه الطبقة بشكل ملفت ونظم التجار إضرابا عاما خاصة في السوق الكبير (بازار بزرگ) في طهران وسيّروا مظاهرات ومسيرات تندد بنتائج الانتخابات الرئاسية التي رأوا أنها تعرضت للتزوير. في مقابل ذلك، عمل نظام الملالي على إيجاد طبقة وسطى جديدة من الحرس الثوري الذي يسيطر على مفاصل الاقتصادي الإيراني والبسيج والشخصيات الموثوقة والمتنفذة في دوائر النظام، كما تم استهداف الميسورين والمؤثرين اجتماعيا من خارج دائرة النظام السياسي والتضييق عليهم، إلا أن الصعوبات الاقتصادية التي مرت بها إيران منذ 2009 وبخاصة الانهيار الكبير للعملة الإيرانية أمام العملات الصعبة أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى بشكل غير مسبوق. فخلال السنوات الست الماضية تم تحويل معظم المنتمين إلى الطبقة الوسطى إلى فقراء، بل إن بعضهم أصبح يعيش تحت خط الفقر وتم إغلاق الكثير من المصانع والمعامل بشكل كامل أو جزئي وتسريح الكثير من الموظفين، الأمر الذي أدى إلى المزيد من الضغط على الطبقة الوسطى اقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي فقدت قوتها وتأثيرها في الشارع الإيراني. ومن شواهد اضمحلال وسحق الطبقة الوسطى تقدم أكثر من 90% من الشعب الإيراني للحصول على المعونة الحكومية الزهيدة، الأمر الذي جعل النظام في موقف محرج قاده إلى ما أطلق عليه استبعاد "الأثرياء" من هذه القوائم. من جانب آخر، يلحظ المتابع للشأن الإيراني انخفاض معدلات دخل بعض العائلات التي كانت في وضع اقتصادي جيد إلى قرابة 500 دولار (1800 ريال سعودي تقريبا) شهريا، فاضطر الكثيرون منهم إلى تغيير النمط المعيشي كما أصبح بعض أبناء الطبقة الوسطى، وبخاصة في العاصمة طهران، يفكرون جديا في بيع منازلهم وقطع السجاد التي يمتلكونها والانتقال إلى أحياء فقيرة في جنوب العاصمة. من جانب آخر، قاد انهيار العملة وزيادة العبء على رجال الأعمال الكثيرين منهم إلى اللجوء للتحايل والغش التجاري في المطاعم والأسواق ونحو ذلك، بسبب عدم قدرتهم على رفع الأسعار بشكل يتوافق والتكلفة الجديدة، إضافة إلى إدراكهم جيداً أن المواطنين لا يستطيعون اقتناء تلك البضائع وبخاصة المستورد منها بسبب ارتفاع أسعارها. من جانب آخر، اتجه الزبائن إلى السلع الوطنية مثل الأجهزة الكهربائية والملابس رغم رداءة الجودة، مما سبب كسادا اقتصاديا في بعض القطاعات التجارية في البلاد. إلى جانب ذلك كله، ضاعفت الحكومة الإيرانية، السابقة والحالية، من معاناة المنتسبين إلى هذه الشريحة من المجتمع الإيراني، حيث يطالب بعض رجال الأعمال الحكومة بمستحقات إزاء تنفيذ بعض المشاريع للدولة إلا أن العجز الكبير في الميزانية الإيرانية وعدم وجود رغبة حقيقية من قبل النظام في سداد الدين العام، حالا دون حصولهم على حقوقهم، وبالتالي تعثر نشاطهم التجاري، وأصبح رجال الأعمال هؤلاء تائهون بين أروقة الإدارات الحكومية بسبب رفض الحكومة الحالية الالتزام بتخبطات حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في سياسته الاقتصادية خاصة بعد فضائح الاختلاس من قبل رجالات أحمدي نجاد والمقربين منه التي بدأت تتكشف شيئا فشيئا. إن وطأة العقوبات وانهيار العملة جعلا المواطن يطمح إلى وصول إيران ومجموعة 5+1 إلى اتفاق شامل بشأن برنامج إيران النووي، وهذا يفسر مدى الفرحة والابتهاج اللذين أبداهما المواطنون الإيرانيون في بداية شهر أبريل الماضي إثر إعلان التوصل إلى اتفاق على الإطار العام للاتفاق النووي، بأمل تحسن مستواهم المعيشي وعودة الحياة إلى أنشطتهم التجارية وتعويض بعض الخسائر التي تكبدوها طيلة السنوات القليلة الماضية، واستعادة جزء من دورهم في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، وليس طمعا في حصول بلادهم على السلاح النووي أو حتى حق تخصيب اليورانيوم كما يروج النظام لذلك الحاكم في طهران.
مشاركة :