العشوائيات «قنبلة موقوتة» تهدد مصر بالانفجار في أي لحظة

  • 11/6/2013
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

«رئيس الوزراء شهد أمس الثلثاء إطلاق حملة تطوير العشوائيات»! هكذا يقول الخبر. لكنه ليس مجرد خبر، بل صار مسألة نجاح أو إخفاق لمصر بخارطة طريقها ومأساة استقطابها ومخاطر انفجارها. فيوم أمس شهد فعالية رسمية من الفعاليات المزمنة التي تقام بهدف تطوير صداع مصر المتأصل وكارثتها المحدقة وحزامها المحيط بأحيائها ومدنها وقنبلتها الموقوتة الآخذة في التفجر منذ «ثورة يناير». سنوات الثورة التي أوشكت أن تطفئ شمعتها الثالثة تئن وتتأوه من شظايا متطايرة وصبية وصبايا وأطفال طائشة ورجال ونساء يعيشون منذ عقود على هامش الزمن والبلد والواقع، لكنها في الوقت نفسه نقلتهم بثقافتهم المتراكمة على مدى سنوات ليصبحوا في قلب الثورة وجزءاً إجبارياً في إشعالها حيناً وإخمادها حيناً وتهديدها دائماً. التهديد القادم من عشوائيات مصر لم يعد مجرد توصيات في دراسة وتنظيرات في تحليل وتهديدات ووعيد، بل تحول واقعاً يكشّر عن أنيابه في قوى مستقطبة في انتخابات برلمانية وجيوش متحفزة في اختيارات رئاسية ومجموعات مسلحة في مسيرات شرعية وجموع «إسلامية سياسية» وحشود متأرجحة بين بلطجية مأجورين وشباب مستقطبين وباعة جوالين وعاطلين موقوتين، والجميع جاهز للانفجار بين لحظة وأخرى. وبين لحظة وأخرى ينفجر لغم عشوائي في وجوه المصريين، لكنهم يؤجلون علاجه تحت وطأة طوارئ الثورة وأولويات الوضع الأمني المتفجر وأسبقية الحال الاقتصادي المتدهور، وإن كان واقع الحال يؤكد أن التأجيل يفاقم الكارثة. الكارثة المتفاقمة تتحدث عن نفسها بلغة الأرقام، مشيرة إلى أن قوة ضاربة من المصريين قوامها 16 مليون نسمة يسكنون 1221 منطقة عشوائية نشأت في أحضان غياب القانون، منها 35 منطقة معرضة للانهيار برمتها، و281 منطقة مصنّفة باعتبارها «مناطق غير آدمية». آدمية العشوائيات المنتهكة لم تمض من دون انتهاك لآدمية من يعيشون حولهم في أحياء الطبقات المتوسطة والراقية، وهو الانتهاك الذي لم يتوقف عند حدود الطفح العشوائي لثقافة وأسلوب حياة وقواعد تعامل كسرت حاجز الخوف بعد ثورة يناير وما تبعها من انكسار الشرطة وانهيار منظومة السماح بخرق القانون طالما هو بعيد عن الأعين وخارج كادر الحياة في شوارع العاصمة البارزة، بل عبّر عن نفسه في فرض سكان العشوائيات لمبدأ «البقاء للأقوى» خارج حدود عشوائياتهم من جهة، إضافة إلى سهولة تجنيد واقتراض وبيع وشراء القوى البشرية الضاربة لتعضيد مواقف انتخابية هنا أو ترجيح كفة «إسلام سياسي» هناك أو ترويع متظاهرين هنا وهناك. المد العشوائي الذي ما زالت أرقام الدولة تعجز عن حصره، حيث يتراوح تعداد سكان العشوائيات بين 7.5 مليون مصري بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء و12 مليوناً بحسب لجنة السكان في مجلس الشعب (البرلمان) المنحل، لم يعد مجرد تهديد للهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة، وتعدى مرحلة غياب المرافق وذيوع الجريمة، وخرج عن إطار تكدّس السكان وانتشار جرائم أخلاقية وخروق اجتماعية، واجتاز مسألة كونه تربة خصبة للعملة ذات الوجهين: استقطاب الشباب للجماعات المتطرفة أو للمجموعات الخارجة على القانون. وحيث إن قانون الانتخابات وأسس الديموقراطية وخارطة الطريق تخلو من نصوص واضحة حول تجييش سكان العشوائيات الذين يشكلون - عددياً - قوة انتخابية قادرة على تحديد مسار مصر السياسي ومن ثم الاقتصادي والاجتماعي والأمني، فقد لعبت العشوائيات دوراً مركزياً حيوياً في مسار مصر «نحو الديموقراطية» وتغيير اتجاه رياح ربيعها الثوري والاستعاضة عن شعار «عيش حرية عدالة الاجتماعية» بتطبيق عملي «زيت سكر شنطة انتخابية» حيناً و «شرعية شريعة ... ثورة إسلامية» أحياناً، وفي أوقات الفراغ تعود أدراجها إلى العيش والحرية والعدالة. افتتاح رئيس الوزراء المصري الدكتور حازم الببلاوي يوم أمس لحملة تطوير الأحياء وعنوانها «شبابنا يقدر» والتي تهدف إلى تحسين الظروف المحيطة بالمواطن حيث غزل الحكومة العفيف المعتاد من وعود برفع القمامة ورصف الطرف وإكمال الإنارة وتشجير الشوارع ودهان الجدران، وهو الغزل الذي لا يضاهيه في دغدغة المشاعر والحواس إلا غزل جماعات الإسلام السياسي الصريح حيث شنط السلع الغذائية وجهود توصيل أسطوانات الغاز ومساعدات الأسر المادية وعلاج المرضى بالمجان في مواسم الاستحقاقات الانتخابية وإبان المحاولات الإخوانية -بحسب منتقدي الجماعة- لإحكام القبضة الحديد على مصر والمصريين من باب «أطعم الفم تستحي العين». لكن واقع الحال في شوارع القاهرة -حيث 40 في المئة من السكان يقطنون العشوائيات- يشير إلى أن لا الفم أطعم ولا العين استحت، فالكارثة آخذة في التوسع والتمدد، ويد الفوضى تضرب بقوة، في ظل هزال القانون، وثقافة أهل العشوائيات التي تدخل عقدها الرابع بقوة وثقة تفرض نفسها على الجميع، بدءاً من سائقي الميكروباصات (وعددهم لا يقل عن عشرة آلاف في القاهرة الكبرى وحدها) الذين يفرضون سطوتهم وينشرون الذعر ويرسخون الفوضى في كل شارع، ومروراً بالباعة الجوالين (يقدر عددهم بنحو خمسة ملايين شخص) الذين احتلوا الأرصفة والشوارع والميادين بقوة العضلات والسباب والأسلحة، وانتهاء بملايين الشباب والصبية الجاهزين للمشاركة في مليونية لدعم الشرعية هنا أو مناهضتها هناك. وبينما ينهي الببلاوي فعاليات حملة تطوير العشوائيات، يجهز المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريره عن ورشة عمل «عشوائيات القاهرة قنبلة موقوتة»، ويعد مثقفون ندوة عن أفلام خالد يوسف عن العشوائيات، ويرد المحافظون بأن مثل تلك الأفلام تفضح مصر وتعري سوءاتها، ويلملم مشايخ التطرف شتات جهودهم لإعادة تنظيم دروس دينية في المناطق العشوائية عن «أمة الشهادة ومكانة الشهيد الذي يموت في سبيل إعلاء كلمة الإسلام في وجه الحكم الكافر» و «اشتداد عذاب القبر لمن لا يلبي نداء الجهاد»! من جهتها، لبّت «لجنة الخمسين» المعنية بتعديل الدستور «نداء الجهاد» بطريقتها، فأضافت مادة تُلزم الدولة بخطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات، تشمل توفير البيئة الأساسية والمرافق وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، كما تكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة. ولم يتبق سوى أن تلبي الدولة النداء وتلتفت فعلياً إلى قنبلة العشوائيات بعيداً من غزل الحكومات العفيف وغزل الجماعات الصريح!

مشاركة :