أثارت نتائج جلسة مساءلة رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي جدلا واسعا لدى الطيف السياسي في تونس، كما الشارع. وحسب متابعين للشأن التونسي كشف سقوط لائحة الحزب الدستوري الحر التي تهدف إلى “رفض البرلمان للتدخل الخارجي في ليبيا”، عمق الانقسام الذي تعيشه الطبقة السياسية في البلاد، وهو ما أكده لـ”العرب”، رئيس حزب حركة مشروع تونس محسن مرزوق. تونس - حذر السياسي التونسي ورئيس حزب حركة مشروع تونس محسن مرزوق في حوار مع “العرب” من دخول البلاد في حالة انقسام عميقة جراء اصطفاف أحزاب بعينها وراء سياسة المحاور التي كشفت عنها جلسة مساءلة صاخبة لرئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، آلت في نهاية المطاف إلى رفض لائحة الحزب الدستوري الحر، حول ليبيا. وتعليقا على مستجدات الساحة السياسية في تونس بعد إسقاط الاقتراح المقدّم من الحزب الدستوري الحر الذي يدين “التدخل التركي” في الشؤون الليبية و”انحياز” حزب حركة النهضة ذي المرجعية الإسلامية والذي يرأسه الغنوشي لهذا المحور، بما يتعارض مع الحياد الذي تلتزم به تونس في سياساتها الخارجية، يشير محسن مرزوق، وهو أبرز وجوه العائلة الحداثية الوسطية في تونس ومرشح رئاسي سابق، إلى أن أبرز ما اتضح أمام الرأي العام في الجلسة البرلمانية الأخيرة هو حقيقة الاصطفافات الحزبية. ويقول “في الواقع بينما كنا نبحث عن موقف ضد التدخل الأجنبي في ليبيا اكتشفنا بوضوح التدخل الأجنبي في تونس”. وعلى الرغم من دعم كتل برلمانية لائحة الدستوري الحر في خطوة تشبه إجماعا سياسيا وشعبيا على ضرورة نأي تونس عن النزاعات الخارجية خاصة فيما يتعلق بالملف الليبي، وقع رفض هذه اللائحة. وحسب مرزوق “إسقاطها يكشف أن هناك من له مصلحة واضحة في تواصل العدوان الأجنبي في ليبيا وقد تكون له علاقة به”. هناك انقسام في البرلمان بين العائلة الوطنية وعائلة أخرى عليها أن تحدد إلى من تنتمي؛ إلى الوطن أم إلى المصالح التركية وبرأيه، يؤكد ذلك أيضا تدخل رئيس البرلمان في السياسة الخارجية التي يتبعها دون أي حق دستوري والتي اتضحت في مواقفه من الملف الليبي واختياره الاصطفاف وراء الدور التركي في المنطقة. ويتابع “هذا الوضوح يؤكد الآن أن لعبة من يريد الاصطفاف وراء المحور التركي صارت مكشوفة”. لكن هذا الاصطفاف قد يحمل تداعيات وخيمة على مستقبل الغنوشي السياسي حسب متابعين وقد يشرع لسقوطه. لا يستبعد مرزوق هذه الفرضية، ففي ظل تصاعد الانتقادات والغضب الشعبي ضده، بات الغنوشي في موقع ضعيف. ويعلق “من الواضح أنه لن يستطيع مستقبلا إدارة المجلس بطريقة مهنية أو محايدة لأنه يمثل صورة للتفرقة بين التونسيين، وهذا يعني أن موضوع إزاحته من رئاسة البرلمان صار مطروحا بقوة”. وعلى الرغم من توسع دائرة الانتقادات ضدها، لا تبدي النهضة اهتماما بالتحذيرات المتواصلة من تخطي زعيمها صلاحياته الدستورية، وقد طالب محتجون في تونس بتنحية الغنوشي من منصبه بسبب خرقه لمبدأ الحياد في الدبلوماسية التونسية في ما يرتبط بالنزاع الليبي. وسبق لمرزوق أن وجه له أصابع الاتهام برعايته للمصالح التركية في تونس. ويقر مرزوق بذلك قائلا “لأن الغنوشي فعلا يعبر عن المصالح التركية في تونس”. ويشرح بالقول “تقريبا مع كل أزمة سياسية يذهب الغنوشي لأخذ المشورة والتوجيهات من تركيا، إضافة إلى أنه عبر أكثر من مرة عن إعجابه بالوجود العثماني في تونس واعتبره أمرا حضاريا”. وفيما يخص الملف الليبي، يلاحظ مرزوق درجة الشراسة في الدفاع عن تركيا وكأنه يدافع عن مصلحته الشخصية. ويتابع “لذلك اعتبرت أنه يقوم برعاية المصالح التركية في تونس ولا يعبر عن المصلحة الوطنية”. ولطالما أزعجت تصريحات مرزوق جماعة الإخوان، كما أنه تعرض لحملة بلغت حد تهديد حياته. وعن سر هذه الحملة والهجوم المتواصل ضده، يجيب مرزوق “لأنني أقول موقفي بكل وضوح ضدهم وهو ما جعلهم يتجهون إلى حملة شرسة هذه الأيام فيها تهديد مباشر لحياتي، وهي خطوة في علاقة بتركيا والدور التركي في المنطقة”. وأوضح “بدأت الحملة من تركيا هذه المرة من خلال دوما وهي مصرية موجودة في تركيا وتعمل بالمخابرات التركية”. وردا على هذه الحملة وجه مرزوق أصابع الاتهام مباشرة إلى تركيا ومخابراتها. ووصف الخاضعين إلى الإملاءات التركية بالدمى. ويلفت إلى أن “التهديدات الموجودة في تونس هي استمرار للتهديد التركي”. وأردف “طبعا التهديدات لا تخفينا وسنواصل عملنا بكل وضوح، المسألة الآن تجاوزت شخصي فجزء كبير من الرأي العام والقوى الوطنية يرفضون السياسة العدوانية التركية سواء في تونس أو خارجها”. وربط بعض المتابعين اسم مرزوق بموضوع الوجود الأميركي أمام تساؤلات عن حقيقة إمضائه اتفاقية مع الولايات المتحدة خلال الزيارة الشهيرة عام 2015. هنا يوضح مستشار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، أن ذلك مجرد محاولة للتشويه السياسي ويدخل في إطار المناكفات، فهي ليست اتفاقية بل مذكرة تفاهم وقع عليها باسم تونس مع وزير خارجية أميركا آنذاك وبين أنها مذكرة كلفه بها الرئيس الراحل وقد نشرت على بوابة وزارة الخارجية ولا تحتوي لا من بعيد ولا من قريب على أي نوع من التزامات ذات طابع عسكري. ويتابع “نحن حررنا تونس من آخر قاعدة عسكرية في حرب بنزرت ولا نريد ولا نقبل بوجود أي قاعدة عسكرية لأي بلد في تونس”. التدخل التركي الغنوشي في حالة ضعف الغنوشي في حالة ضعف أثار الغنوشي جدلا بعدما هنأ الشهر الماضي رئيس حكومة الوفاق في ليبيا، فايز السراج، على استعادة قواته المدعومة من تركيا قاعدة الوطية العسكرية القريبة من الحدود التونسية. وطرح هذا الموقف مسألة حدود صلاحيات رئيس البرلمان، إضافة إلى موقف الدبلوماسية التونسية من الملف الليبي. ويعتقد مرزوق أن السياسة الخارجية التونسية في الملف الليبي مترددة وضعيفة. وحسب تقديره فإن رئيس الجمهورية قيس سعيد يحاول بطريقة ما الحفاظ على ثوابت السياسة الخارجية لكن دون قوة، ومن جهة أخرى هناك تدخل لأطراف عديدة من بينها رئيس البرلمان لدفع تونس نحو الاصطفاف وراء المحور التركي. وفي كل الحالات من ينظر إلى تونس من بعيد يخيل له وكأن تونس مصطفة وراء هذا المحور، رغم كل محاولات رئيس الجمهورية، حسب ما ذهب إليه مرزوق. وأعرب عن أسفه لحصول هذا الاصطفاف، حيث “كان من المفروض أن تلعب تونس دورا يأخذ بعين الاعتبار الانقسام الحاصل في ليبيا”. ويبين أن “دور تونس هو دور الجار الذي يحاول التوفيق بين المتحاربين، ولها مشروعية التدخل بينما تركيا ليست لها أي حق في التدخل خاصة حين يكون هذا التدخل عسكريا مباشرا”. وبالنسبة إلى مرزوق فإن التدخل العسكري التركي مرفوض لكونه يقوم على وجود قوات تركية مباشرة على الأرض وثانيا لاستقدامه مرتزقة من إدلب السورية للقتال في لبيبا. وهو ما سينجر عنه لا فقط تهديد الأمن التونسي وإنما أيضا تهديد أمن المنطقة العربية ككل. ويستنتج أن هدف التدخل التركي هو نهب الثروات الليبية، ويستند في ذلك إلى الحديث الدائر حاليا بشأن التنقيب عن النفط إضافة إلى الاتفاقية البحرية بين حكومة الوفاق والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتداعيات هذه الخطوة على أمن المتوسط. وأمام هذه التطورات، يرى مرزوق أنه كان من المفروض أن يكون الموقف التونسي أكثر قوة مع التنسيق الضروري مع الجيران المباشرين لليبيا. كما كان من الأجدر أن “تحاول تونس إقامة آلية للتنسيق مع جيران ليبيا الذين تجمعهم حدود مشتركة على أساس أن تكون تونس منشطة لها وتصير الآلية طريقة لردع التدخلات الخارجية”. الجمهورية الثالثة على صعيد آخر يرى رئيس حركة مشروع تونس أنه لا مستقبل لتونس إلا بجمهورية ثالثة لأن النظام السياسي الحالي، ومن ورائه النظام الانتخابي، يشبه “الحبل الذي يكبل البلاد وطاقاتها”. ومع إطلاقه هذه الدعوة المثيرة للجدل، يرى متابعون وسياسيون أنه تحامل على الجمهورية التي بصدد التشكل والتي عانت الويلات في مراحل الانتقال الديمقراطي العسيرة. وحسب اعتقاد مرزوق فإن الجمهورية الثانية ينقصها تنصيب محكمة دستورية، ولن يغير شيئا وجود هذه المحكمة في نظام سياسي كانت نتيجته أن البلاد صارت أكثر فقرا ومديونية، كما لا يوجد استقرار في العمل الحكومي الذي يمكّن من معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وما نجم عن ذلك أن الحكومات صارت تتشكل على المحصاصات الحزبية وباتت مصالح الأحزاب أهم من مصالح الوطن. وأوضح أنه يعارض نظام الحكم في تونس منذ تشكيله، وقد طالبت الوثيقة التأسيسية لحركة مشروع تونس في يوليو 2016 بإلغاء هذا النظام الذي يشكل حسب رأيه عقدة الحبل التي تخنق بها النهضة تونس. ويشرح “بفعل النظام الانتخابي تستطيع حركة النهضة حكم البلاد بأقلية لأن عدد الأصوات التي حازتها في الانتخابات التشريعية أقل من عشرة في المئة وبهذه النسبة الضعيفة اليوم النهضة هي الكتلة الأولى في البرلمان، كما يفرض وجودها بالضرورة بفعل هذا النظام السياسي أن تكون موجودة في كل الحكومات وأن تشكل الأغلبية الحاكمة”. ويرى أن المشهد السياسي منقسم اليوم، لذلك طالب بتوحيد رأس السلطة التنفيذية وأن يكون هناك ممثل واحد لها. ويلفت إلى رغبته في تأسيس نظام رئاسي ديمقراطي بحيث لا نقبل الفوضى الحالية ولا نقبل أيضا العودة إلى نظام الاستبداد. النهضة كانت دائما عدوا للمشروع البورقيبي الذي يقوم على وطن له سيادة وينادي بتحرير الإنسان الاجتماعي بالتعليم والصحة ويحضّ على الاعتدال الديني ويتساءل “كيف يمكن القبول في ظل هذا الظرف الاجتماعي والاقتصادي بنظام صارت فيه مصلحة الأحزاب فوق مصلحة الدولة؟”. وبدوره ألمح الرئيس التونسي إلى رغبته في تعديل نظام الحكم محملا الأحزاب مسؤولية أزمات البلاد. ويعتقد مرزوق أن السؤال المطروح اليوم كيف سيتغير هذا النظام وماذا سنفعل في ظل كل المقترحات الموجودة؟ ومع دعوته إلى جمهورية ثالثة، طالبت حركة مشروع تونس بمؤتمر وطني للحوار تشرف عليه المنظمات الوطنية والمدنية كما حدث في الحوار الوطني الموسع سنة 2013. وسيسمح هذا المؤتمر بتوضيح النقاش حول هذه التعديلات واستكمال المكونات الضرورية الحالية مثل المحكمة الدستورية باعتبار أنها شرط من شروط إجراء الاستفتاءات التونسية والمرور بعدها إلى تعديلات من داخل البرلمان. ومن شأن ذلك أن يخلق ديناميكىية للتغيير. وفي حال لم يقع التوافق على إجراء تعديلات لا يستبعد مرزوق تصاعد الغليان الشعبي وتوسع الهوة مع الشارع وأن تمر تونس بتجارب صعبة أخرى. وتابع “لهذا السبب قلنا من الأفضل بطريقة حضارية ومنظمة واستباقية أن نجلس مع بعضنا البعض حول طاولة الحوار لحل هذه المسائل”. لافتا إلى أن العودة للحوار الوطني لا تعني التوافق الشهير السابق بين حركة النهضة وحزب نداء تونس. وقال “ما نتحدث عنه الآن ليس توافقا بالمعنى الكلاسيكي بل نتحدث عن اتفاقات وطنية في مواجهة الصراع السياسي الدائر وضغط الشارع”. ويعتقد مرزوق أن أغلب الأطراف الوطنية واعية بضرورة تغيير هذا النظام. وعن معركة الصلاحيات المحتدمة بين رئاسة الجمهورية والبرلمان يشير مرزوق إلى أن “قيس سعيد له رؤية في تغيير النظام السياسي ولا يصطف بطريقة معينة في نفس موقف حركة النهضة”. وبالنسبة إلى الغنوشي، يرى مرزوق أن تحركاته الأخيرة تأتي ردا على الصراع الداخلي الذي تعيشه حركة النهضة. ويلفت إلى أن الغنوشي يريد أن يبدو وكأنه الحاكم الفعلي للبلاد داخليا وخارجيا لذلك كان رد رئيس الجمهورية صارما في تهنئة عيد الفطر. ولا شك أن لهذا الصراع تداعيات على المشهد السياسي المتأزم في البلاد. وحسب مرزوق يعكس ذلك حجم الخور الموجود في النظام السياسي التونسي بما أن النظام يقوم على تعدد رموز السلطة ويصعّب طريق الوحدة في الأداء السياسي. وكشف هذا الصراع عن انقسام عميق في الدولة. واستحضر جلسة البرلمان الأخيرة حين استماتت النهضة ومؤيدوها في الدفاع عن حق رئيس البرلمان في أن تكون له دبلوماسية خاصة به حتى وإن اختلفت عن الدبلوماسية الرسمية. ويستنتج “هذا الانقسام يؤثر على المشهد السياسي بخلق انقسام حقيقي في بنية الدولة.. وهذا خطر كبير جدا”. المشروع البورقيبي المشروع البورقيبي يواجه أعداء من الداخل المشروع البورقيبي يواجه أعداء من الداخل يعد محسن مرزوق أحد رموز العائلة الوسطية في تونس وأحد المدافعين عن المشروع البورقيبي بالبلد في وجه عودة التيار الإسلامي إلى الحكم. وقد حذر في أحد تصريحاته من أن المشروع البورقيبي يواجه أعداء من الداخل، وردا على هذا التحذير يشير مرزوق إلى أن “النهضة كانت دائما عدوا للمشروع البورقيبي الذي يقوم على وطن له سيادة وينادي بتحرير الإنسان الاجتماعي بالتعليم والصحة ويحض على الاعتدال الديني”. وما ينقص هذا المشروع هو الحرية السياسية والديمقراطية، وهذه حصلت عليها تونس عبر مراحل، حسب تعبيره. وحاليا المواقف المؤيدة للتدخل التركي في ليبيا تمس من مفهومنا للمسألة الوطنية والسيادة وهو ما يجعل المرزوقي يستنتج أن المشروع البورقيبي لديه أعداء من الداخل واضحون ويتجددون في أجيال مختلفة. ورغم التحديات التي تواجه هذا المشروع إضافة إلى تراجع العائلة الوسطية في أعقاب الانتخابات الأخيرة، يبدي مرزوق أملا في عودة سياسية قوية لهذه العائلة، وهو ما لاحظه في جلسة البرلمان عبر لائحة موحدة ضمت 96 نائبا. وحسب مرزوق، تأكد عبر جلسة البرلمان الأخيرة “أن هناك انقساما في المجلس بين العائلة الوطنية وعائلة أخرى عليها أن تحدد بوضوح إلى من تنتمي؛ إلى الوطن أم إلى المصالح التركية؟”. و”يتساءل هؤلاء الذين اتحدوا حول هذه اللائحة أليس من الممكن توحيدهم أو توحيد جلهم على الأقل في سياق سياسي هام؟”. وتابع “نعمل على ذلك منذ سنوات، صحيح لم ننجح في الوصول إلى هدفنا ولا يعني عدم النجاح الوقتي ضرورة التخلي عن هدف المشروع بل علينا تجديد المحاولة دائما، خاصة أن ما ترك النهضة تتحكم في المشهد السياسي بالأساس هو انقسام الطرف المقابل الذي يختلف معها”، أي هذه العائلة الوسطية التي يحبذ أن يطلق عليها اسم “وطنية”. وختم مرزوق حواره مع “العرب” بالتذكير أن الشارع التونسي يعول على هذه النخبة الوطنية. و”على هذه النخبة إما القبول بالبقاء منقسمة مشتتة أو توحيد صفوفها من جديد”. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :