نظرية فائض الفوضى | عبدالمنعم مصطفى

  • 7/3/2015
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

أبدو كما لو كنت قنوعًا في بعض الأحيان، لكنني أبدو قنوعًا دائمًا كلّما تعلّق الأمر بما أراه فائضًا عن الحاجة، سواء أكانت حاجتي أنا، أو حاجة الظرف، أو حاجة الآخر. وبسبب تلك القناعة، وربما لأسباب أخرى موضوعية، فقد تبنيتُ ما أطلقت عليه «نظرية فائض أي شيء» وكنتُ أرى مثلاً، أن الحروب تقع بسبب فائض القوة، وأن الثورات تقع بسبب فائض الظلم، وأن الكوارث الأخلاقية تقع بسبب فائض الحرية، وأن المرض يأتي بسب فائض الجوع، أو فائض التخمة. باختصار فإن نفسي القنوعة، قادتني إلى أن القناعة هى أصل الدواء لكل شيء، طالما أن الفائض هو أصل الداء لكل شيء، وعندما أردت إخضاع المشهد الإقليمي لنظريتي التي منحتها اسم «نظرية الفائض» اكتشفت أن ما تعانيه المنطقة منذ ما يُسمّى بالربيع العربي أواخر العام 2010، وحتى الآن يمكن تسميته دون تردد «فائض الفوضى». فائض الفوضى هو في تقديري، نتاج فائض السلطة لدى حكومات ما قبل الربيع العربي، الذي قاد بدوره إلى فائض قوة، قادت بدورها إلى فائض قهر أو ظلم، قاد بدوره الى فائض غضب، تحوّل مع الفورة إلى ثورة. والباقي تعرفونه جميعًا، فقد عاينتموه، وعايشتموه، وعانيتم من آثاره، وكافحتم -وما زلتم تكافحون- نتائجه، وقد كتبتُ في هذا المكان بمقال سابق ماذا قال خوسيه اثنار رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق بعد فوز حزبه بولاية ثانية لأربع سنوات، حين سأله صحافي عقب فوزه عمّا إذا كان يعتزم خوض الانتخابات التالية، فقد قال اثنار بالحرف الواحد: «لا أعتزم خوض السباق مجددًا؛ لأنه بعد ثماني سنوات في الحكم يصبح لديك الكثير من السلطة، والقليل من الحماس، وهذا خطر». انتبهوا فالرجل كان يخشى مقدمًا من فائض السلطة الناجم عن فائض احتكارها، مخاوف اثنار تبدو غير مفهومة في منطقتنا، لكننا جميعًا نرى نتائجها منذ نهاية العام 2010، فقد أطيح بالرئيس التونسي بن علي بعد 22 عامًا في الحكم، ثم بالرئيس المصري الأسبق مبارك بعد أكثر من ثلاثين عامًا في الحكم، ثم بالرئيس الليبي القذافي بعد أكثر من أربعين عامًا في الحكم، ثم بالرئيس اليمني صالح بعد نحو 35 عامًا في الحكم.. وهكذا قاد فائض الحكم، إلى فائض سلطة، إلى فائض ظلم، إلى فائض ثورة، إلى فائض فوضى. هذا الأخير، لم يتوقعه أحد في الإقليم كله، وبالطبع لم يسعَ إليه أحد في الإقليم كله، لكن الولايات المتحدة، التي أدركت كقوة عملاقة أنها شارفت محطة النهاية، وأنها يجب أن تتأهب لعملية هبوط إمبراطوري آمن يليق بآخر قوة عظمى وحيدة تقود العالم، وأنها لهذا عليها أن تسعى لإعادة هيكلة قلب العالم، على النحو الذي يبطئ من إيقاع تراجعها الإمبراطوري، ويضع المزيد من العقبات في طريق منافسيها الراغبين في اعتلاء مقعد قيادة النظام الدولي. هذا التصوّر قاد مراكز الفكر في واشنطن إلى ابتكار نظرية الفوضى البنّاءة، كآلية لإعادة هيكلة النظام الدولي، وتغيير الأوزان النوعية للقوى الإقليمية على نحو يحقق غايات واشنطن، ويعوق خطط منافسيها، وكانت منطقتنا الأعلى تأهيلاً للفوز بالفوضى. والآن.. وبينما تفتش إيران -بدعم أمريكي غير مباشر- عن مكان في قيادة الإقليم من الباب «النووي»، فيما تسعى تركيا لاعتلاء مكانها في قيادة الإقليم من الباب «العثماني»، فإن القوى الفاعلة في النظام الإقليمي العربي، تكافح لمقاومة تأثيرات فائض الفوضى على فرصها في البقاء. مستوى الفوضى الراهنة في المشهد الإقليمي سواء في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، يقترب من نقطة الذروة، وهو ما يؤذن في اعتقادي بقرب انجلاء المشهد، حيث تفجر الفوضى ما يمكن تسميته بديناميات البقاء، التي يستدعيها العقل الباطن الجمعي لشعوب قديمة عرفت الدولة حتى قبل أن تعرفها القوى العظمى في عالم اليوم. روزنامة الإقليم تشير إلى صيف ساخن، لكنه لن يشهد حسمًا لملفات طال اشتعالها، إذ قد تنتظر أغلب الملفات تغييرًا حتميًّا سيعصف بالبيت الأبيض قرب نهاية العام المقبل 2016، حاملاً إلى المكتب البيضاوي رئيسًا جديدًا، ورؤية مغايرة، وظرفًا مواتيًا لحسم ملفات معلّقة. moneammostafa@gmail.com

مشاركة :