نظرية الفوضى | مقالات

  • 7/21/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مازالت الجدلية في العلاقة بين الدين والعلم قائمة رغم قدمها بين العلماء والمختصين في العلوم الفيزيائية والعلوم الشرعية بسبب تباين الأديان والمعتقدات، خاصة وان هذا الجدال يحتدم بشكل أكثر وضوحاً في المسيحية واليهودية نتيجة التركيز على العمليات الفكرية المجردة التى تبحث عن الأسرار والحقائق العلمية من دون الاعتبارات الدينية والإنسانية في البحث والتفسير. الكثير من اللقاءات الدولية حول موقف الدين من العلم أو العكس لم تسفر عن نتائج متفق عليها بسبب الخلط بين الأديان والعلم. فالحديث عن علاقة الدين بالعلم غالباً لا ينظر إليها من منظور الدين الواحد، وإنما يدور البحث في العلاقة بالأديان. باستثناء الإسلام فإن الأديان الأخرى عامة تنظر إلى علاقة الدين بالعلم من منظور أنظمتها السياسية التي تفصل الدولة عن الدين، وتحول كل نشاطاتها المدنية إلى القوانين الوضعية التي تسّير حياتها في جميع الميادين ومنها البحث العلمي والاكتشاف، واستثمار ذلك في تغيير حياتها. هذه المجتمعات ترى أن الدين يعكس صلة الإنسان بخالقه، وهى مسألة تتفاوت بين الناس حيث حرية الاعتقاد، وعدم إخضاع الناس للمساءلة في حال عدم اعتناق أي دين، أو عدم الإيمان حتى بوجود الخالق. ظاهرة كهذه جعلت المجتمع المدني في الأنظمة الشمولية كالرأسمالية والشيوعية حيث يتحرر الفرد من قيود الدين، ويعتمد على القوانين الوضعية في علاقات الناس بالدولة وبنظام التفكير، تسن تشريعات تتعلق بزواج المثليين، والاستنساخ، والإجهاض، والموت الرحيم وموت الخالق وغيرها من ظواهر تختلف الأديان عليها، ولا تتفق عليها الفطرة الإنسانية.. إن القوانين الحاكمة لحركة الحياة في هذه المجتمعات وإن تعارضت في بعض جوانبها مع تعاليم أديانها أو معتقداتها إلا أنها لا تخلق أزمات اجتماعية أو دينية انطلاقاً من أن هذه المجتمعات اتفقت على فصل الدين عن الدولة. فليس هنالك قيود دينية على البحث العلمي، أو الاعتقاد في الظواهر الكونية المخالفة للدين باعتبار أن هذه الظواهر تحكمها قوانين فيزيائية وليس قوة أو خالق أوجد الكون وما فيه من أسرار. هذا الاتجاه الإلحادي ظهر في عقول غالبية علماء الغرب لكن البعض الآخر اختلف وتمسك بالواقعية وبعدم الاعتراف بمصادفة خلق الكون، ومن هؤلاء الفيزيائي البريطانى الشهير جون بلوكين هورن الذي اعترض على «نظرية الفوضى» المحتملة في الكون بسبب التغيرات في القوانين الفيزيائية الحاكمة، ففي نظره أن الكون له قوانينه وخالقه، وأن الخلل في هذه القوانين إذا حدث فإنه من الخالق وليس بالصدفة والعشوائية كاحتمال خروج الأرض عن مدارها، أو اصطدام الكواكب، أو موت الشمس وغير ذلك من توقعات بسبب التغيرات في القوانين الفيزيائية. هناك الكثير من العلماء يتفقون مع أفكار جون بلوكين هورن، ويرون أن القوانين الفيزيائية لا تبرر تشّكل أو وجود الظواهر الكونية، وإنما تعمل فقط على تفسير عمل هذه الظواهر. فالجاذبية الأرضية مثلاً ليست السبب في حركة الأجسام لأنها فى الأساس قوانين تصف العلاقة، ولا تدخل في التكوين أو الخلق إلا بوجود قوة تخلق هذه الجاذبية الكونية، وهى القوة الإلهية. لهذا فإن كل ما هو متاح لرؤيتنا ومداركنا تنتهى بالإيمان بوجود خالق يمثل قوة شاملة وسلطاناً يتحكم في كل شيء. فأي ظاهرة علمية أو اكتشاف جديد يساهم فيه العلم والعلماء لا يعني الصدفة أو الحظ أو خلق النظام من الفوضى، وإنما المسألة هي أن الله هو الخالق والصانع الذي أتاح للفكر العلمي والبحث التجريبي أن يدرك عظمته في كشف ما يستطيع من الأسرار والغموض في سمائه وأرضه. فكل ماهو موجود يتحرك في إطار نظام متقن ومتزن، فلا مكان فيه للفوضى، وإنما هو الله الذي بيده الملك، وهو على كل شيء قدير... yaqub44@hotmail.com

مشاركة :