وجد الشعراء العرب في وسائل التواصل الاجتماعي قنوات لنشر نصوصهم والتعريف بكتاباتهم أو الترويج لها، لكن هذا الفضاء الإلكتروني سرعان ما فرض شروطا على الشعراء في نمط الكتابة الشعرية، بداية بفرض النصوص القصيرة ثم النصوص يسيرة الفهم لتناسب مختلف الشرائح، وربما لهذه الاشتراطات وغيرها تأثير سلبي وإيجابي على الشعر العربي. لم يغفل التقرير الأول لحالة الشعر العربي الذي أصدرته أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية 2019 ذكر ما وصلت إليه تجارب الشعر الرقمي أو الشعر الإلكتروني على يد بعض الشعراء في عدد من الدول العربية. وتوقف النقاد والباحثون المشاركون في كتابة التقرير عند هذا الرافد الجديد في إبداعنا الشعري والذي يواكب الثورة الرقمية التي تجتاح العالم الآن، وهو ما لفت – في الوقت نفسه – القائمين على ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الشعري الذي عقد خلال الفترة 13 – 16 يناير 2020 فخصصوا محورا عن الشعر الإلكتروني، ما يعني أن الأمر بات ملحا وبات يشغل الساحة الشعرية والنقدية، ولم يعد مجرد ترف أو تجارب لا لزوم لها، حيث تناول التقرير، الذي صدر أخيرا في 900 صفحة، أثر وسائل التواصل الاجتماعي على حركة الشعر إيجابا وسلبا. العالم التقني الصفحات الإلكترونية ذات اتساع هائل وتسمح بحرية غير محدودة الصفحات الإلكترونية ذات اتساع هائل وتسمح بحرية غير محدودة في التقرير يلاحظ الناقد السعودي عبدالله المعيقل أن الشعراء أصبحوا ينشرون كثيرا من نصوصهم في الشبكة العنكبوتية، وأصبحت النصوص تصل إلى مساحة من القراء لا تتوفر عليها وسيلة أخرى، واقتضى هذا النوع من النشر أن يراعي الشاعر هذا الجمهور الواسع من القراء الذين تختلف مستوياتهم الثقافية، من حيث اختيار أبيات قريبة الفهم وقصيرة في شكل مقطوعات، نظرا لضيق مساحة النشر. أما الناقد الجزائري عبدالقادر رابحي فيرى أن الثورة الرقمية أحدثت زلزالا في البنيات الأشد انغلاقا، وأثرت أيما تأثير على الأطراف البعيدة المتراكمة في الهامش بمثقفيها ومتلقيها بعيدا عن المجازفة الإبداعية. وكان لا بد أن تعيد هذه الوضعية صياغة مراكز جديدة للتصور الإبداعي والجمالي بناء على سهولة اندراجها في الواقع الافتراضي المعاصر. ويلاحظ رابحي أن العالم الافتراضي فتح المجال لعودة الأنساق الإبداعية التقليدية، إلى واجهة التلقي، وعودة انتشار قيمه الجمالية من منظور جمهور عريض يعكس البيئة المحافظة للمجتمعات المغاربية. وعن حضور الشعر السوداني الحديث في الفضاء الإلكتروني بين الإيجاب والسلب يتحدث الناقد عزالدين ميرغني، لافتا إلى المشاركات والعضوية الضخمة لهذه المواقع الإلكترونية في الشبكة العنكبوتية، حيث العضو له مطلق الحرية في أن يكتب ما يشاء من نصوص، وينبه إلى أن خطورة تلك الكتابات قد تأتي من المجاملة، من عضو لزميله الآخر، واشكرني وأشكرك، وامدحني وأمدحك، وقد يأتي المدح من غير المتخصص، أو مجاملة دون حتى قراءة النص كاملا. أما الناقدة بشرى موسى صالح فتشير إلى دخول الشعراء إلى العالم التقني دخولا واسعا مع قصيدة التسعينات وما تلاها، لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت في ابتداع أشكال شعرية أسلوبية جديدة أطلق عليها الشاعر التسعيني مشتاق عباس معن “القصيدة التفاعلية”، وشاع المصطلح وتكرس في مشروع له رؤيته وإجراءاته القائمة على العناية بحضور المتلقي (التقني) وإسهاماته في قراءة النص وإعادة إنتاجه. وتوضح أن “القصيدة التفاعلية” هي من أشد النصوص الشعرية التحاما بالوسيط الإلكتروني وفضائه التواصلي التقني، وما أشتق منها من “النص المترابط” و”العروض الإلكترونية” بما أتاحت من منافذ تلق متنوعة ومفتوحة: سمعية وبصرية وفنية ثرية. ويرى الناقد اللبناني شربل داغر أن ما ينشر في الشبكة العنكبوتية من شعر عربي يتوسع ليشمل شعرا في “إنستغرام” و”تويتر” و”يوتيوب” بالإضافة إلى فيسبوك، وغيرها. ويتوقف عند التجربة النقدية للأكاديمية الأردنية د. امتنان الصمادي في عام 2018 وتناولت فيها استجابة الجمهور لشعر محمود درويش في التطبيق الإلكتروني “تويتر” في يوم بعينه من شهر أبريل 2018 وجعلته مادة لفحص ودرس. ومن ناحية أخرى يرى الباحث المصري د. أحمد مجاهد أنه لا يوجد في مصر الآن موقع إلكتروني واحد متخصص في نشر الشعر، بينما المواقع الإلكترونية للمجلات الثقافية، لا تنشر سوى نسخة بي.دي.أف من المطبوعة الورقية، وهي ليست مواقع تفاعلية مع القراء، ولهذا لم يعد للشعراء سوى صفحاتهم الخاصة على الفيسبوك، ويؤكد أن الشعر وجد متنفسا حقيقيا على الصفحة الزرقاء بعد اختناقه في أزمات النشر الورقي. خطورة الكتابات الرقمية قد تأتي من المجاملة واضطرار الشاعر إلى اختيار أبيات قريبة الفهم وقصيرة في شكل مقطوعات ويوضح الكاتب السعودي خالد أحمد اليوسف أن ثورة التقنية والاتصالات ودخول الإنترنت في جميع المواقع والأمكنة أتاح للشعر العربي الاستفادة من هذه القناة السريعة، فأنشئت المواقع الخاصة والعامة منذ منتصف التسعينات، وكان موقع “جهة الشعر” الذي أسسه ورعاه الشاعر البحريني قاسم حداد، من أوائل المواقع. ثم بدأ الاهتمام بالمواقع الشخصية لكل شاعر بمفرده، بعد أن تيسر التعامل مع الإنترنت، وانخفضت التكاليف والمصروفات على متابعة ورعاية المواقع، وأصبح باستطاعة كل واحد تأسيس موقع يخصه شخصيا، فجاء من هنا النشر الإلكتروني، واتسعت آفاقه ودوائره ومواقعه، فسارت المعطيات والإنتاج الشعري جنبا إلى جنب، ورقيا وإلكترونيا. النص الإلكتروني Thumbnail يتناول الناقد السوداني مصطفى الصاوي في بحثه تأثير الوسائط الإلكترونية في الشعر السوداني من خلال ثلاثة أشكال إلكترونية هي: الأقراص المدمجة والكتب الإلكترونية والمواقع المختلفة على شبكة الإنترنت. ويؤكد أن النصوص المنشورة في هذه الوسائط لم تصل إلى مقام الشعر الرقمي التفاعلي. ثم يتعرض لإيجابيات النشر الإلكتروني وسلبياته. وتتناول الباحثة الجزائرية ربيعة برباق في بحثها دور وسائل التواصل الاجتماعي في تنشيط المشهد الشعري المغاربي. أما الناقد المصري محمد عبدالمطلب فيرى أن الأجيال الجديدة من الشعراء سارعت إلى غير المطبوع لأن الصفحات الإلكترونية أو الفضائية ذات اتساع هائل وتسمح بحرية غير محدودة، بينما الإبداع المطبوع يخضع لقيود متعددة، بعضها يأتي من السلطة، وبعضها يأتي من الثقافة، وبعضها يأتي من المجتمع، وهو ما أتاح للأدب الإلكتروني أن يخضع لمصطلح طارئ، وهو “الأدب الرقمي”، ذلك أن الأرقام بلا نهاية، واستخدامها لا يخضع لأي سلطة ثقافية أو عرفية. ويوضح عبدالمطلب أن النص الإلكتروني سريع الانتشار واسع المساحة القرائية، مع إفساح المجال للتعليقات والتحليلات، بينما يشكك الناقد العراقي علي جعفر العلاق في النص الإلكتروني ويقول: إن المتأمل في النص الإلكتروني يحتاج إيمانا منقطع النظير ليطمئن أن لهذا الشكل الكتابي فرصة يعتد بها لمنافسة النص الورقي أو مستقبلا حقيقيا يمكن توقعه. ويرى الناقد المغربي خالد بلقاسم أن الاستسهال الذي أصبح يطبع النشر الإلكتروني، يهدد من زوايا عديدة، الشعر قبل أن يهدد تلقيه، حيث لم يعد يخضع نشر الشعر في الوسائط الحديثة لأي رقابة معرفية، وهو ما يجعل النشر في هذه الوسائط عاملا من العوامل التي لا تسهم في استجلاء المشهد الشعري.
مشاركة :