يعد فن التوريق أو الزخرفة النباتية أحد العناصر الأساسية في الزخرفة الإسلامية، فهو حاضر في كل أنماطها، متفاعل مع عناصرها الأخرى إلى حد التشابك والتماهي، ويعني فن التوريق استخدام أشكال أوراق النبات المختلفة بأسلوب خاص لصناعة الزخارف التجميلية، وتستخدم بشكل خاص أوراق العنب وفروعه وعناقيده ومحاليقه والزهور خاصة كيزان الصنوبر وورق الأكانتاس والمرواح النخيلية وغيرها، ويتبع الفنان المسلم أسلوبي الاشتقاق والتحوير للابتعاد بتلك الأشكال النباتية عن أصلها الطبيعي حتى لا تكون محاكاة مباشرة للطبيعة، فالشكل المرسوم مشتق من الشكل النباتي لكنه لا يحاكيه لأن شكل الرسم الجديد خطي لا يحتوي على البعد الثالث الذي يمكن أن يجعله تمثيلاً لشكل النبات، ومن هنا يحدث التحور أو التجريد الذي يوصف به الفن الإسلامي عموماً، فهناك إيحاء بالشكل لكن ليس هناك تمثيل له، ويعزو كثير من دارسي الفنون الإسلامية ظاهرة التجريد هذه إلى تحرج الفنان المسلم من (التمثيل) لعناصر الطبيعة، فراراً من كل ما يمكن أن يجره إلى التجسيم الذي يمنعه الشرع. وقد سمح هذا التجريد الشكلي للفنان بحرية التصرف فيما يرسمه من أشكال نباتية، وأعطاه مرونة في استخدامها بأساليب متعددة، منها التضفير وهو صناعة ضفيرة من تشابك الأوراق أو أغصانها، والتقابل وهو صناعة الكتل المتماثلة حول منظور وهمي، بحيث تتساوى الكتل شكلاً وأبعاداً، والتعانق وهو التقاء رؤوس النباتات. من غير تضفير، وفي كثير من الأحيان تكون الوحدة في هذه الزخرفة مؤلفة من مجموعة من العناصر النباتية متداخلة ومتشابكة، ومتناظرة، تتكرر بصورة منتظمة، لتغطي المساحة كلها، فلا تترك فراغاً في السطح الذي توضع عليه تلك الزخارف، وقد انتشر استعمال هذه الزخارف في المجالات المختلفة، في تزيين الجدران والقباب، وفي التحف المختلفة النحاسية والزجاجية والخزفية، وفي تزيين صفحات الكتب، وتجليدها. يلعب فنان الزخرفة النباتية على مفهومي التدرج والتتابع الذي ينتج الحركة المنتظمة المولدة بدورها للإيقاع، فهو ينطلق في صناعة أشكاله الزخرفية من الوحدة الأولى وهي الورقة أو الزهرة أو الغصن ثم يدخل تلك الوحدة في تكوين أولي اعتماداً على الخواص الأسلوبية السابقة إما بالتضفير أو التعانق أو التقابل، ويكرر الفعل نفسه في اتجاه واحد أو اتجاهات عدة،فيظل الشكل يكبر حتى يغطي مساحة الجدار أو القطعة الخزفية أو السجاد أو صفحة الكتاب أو غيرها من الأسطح التي يعمل عليها الفنان، فيظل بصر المشاهد متنقلاً منساباً مع تصاعد التكوينات إلى أن يحيط بالشكل الكلي، ويبهر بتناسقه، وتعمل الدقة في صناعة الأشكال المتماثلة وفي الأبعاد على استدامة نظر المتفرج لأن العين لا تحس بشذوذ ولا تتأثر بنتوءات في تنقلاتها بنتوءات خارجة عن النسق. كما أن من العوامل الأخرى المؤثرة في تلك الجمالية البصرية اعتماد الترابط بين الكتل، وهي خاصية يحققها عنق الورقة أو الغصن الذي تتفرع منه الأوراق والزهور، فهذا الغصن يشكل حبلاً مرناً يمده الفنان في الاتجاه الذي يريد ويصنع به ما يشاء من أشكال، فقابليته للتمدد والالتفاف تجعله عنصر ترابط وتنسيق ثابت في الكتلة الزخرفية النباتية، ويضمن التشابك بين مختلف الكتل، ما يجعل الانتقال من كتلة إلى كتلة محدداً برابط يقود العين ولا يتركها تسقط على فراغ قد يصرفها أو يشتتها. فن التوريق كما أشرنا سابقاً يقبل المزج بجميع أشكال الفنون الإسلامية، وخاصة الزخرفة الهندسية التي هي العنصر الثاني من عناصر الزخرفة الإسلامية، فقد كانت قابلية الأشكال النباتية المجردة للتحوير والتشكيل بأشكال مختلفة تسمح له بالدخول في علاقة مع الأشكال الهندسية الشهيرة في الفنون الإسلامية، وخاصة الدوائر والمربعات والمستطيلات، فكان الفنان قادراً على تكييف زينته لتتماهى تماماً مع تلك الأشكال، وتصنع جمالية من نوع خاص تبهر العين.
مشاركة :